الرسائل للجاحظ (صفحة 1162)

وقالوا: قد أخبر الله أنه في السموات والأرض، والله لا يخاطب عباده إلا بما يعقلون، ولو خاطبهم بما لا يعقلون لكان قد كلفهم ما لا يطيقون، ومن خاطب من لا يفي بالفهم عنه فقد وضع المخاطبة في غير موضعها. فهذا ما قال القوم.

ونحن نقول: إن الشيء قد يكون في الشيء على وجوه، وسنذكر لك الوجوه، ونلحق كل واحد منها بشكله وبما يجوز فيه، إن شاء الله تعالى.

قلنا للقوم: أليس قد خاطب الله الصم البكم الذين لا يعقلون، والذين خبر أنهم لا يستطيعون سمعاً؟ فإن قالوا: إن العرب قد تسمي المتعامي أعمى، والمتصامم أصم، ويقولون لمن عمل عمل من لا يعقل: لا يعقل؛ وإنما الكلام محمول على كلام. وذلك أن المتعامي إذا تعامى، صار في الجهل كالأعمى، فلما أشبهه من وجه سمي باسمه.

قلنا: قد صدقتم؛ ولكن ليس الأصل. والمستعمل في تسميتهم بالعمى إنما هو الذي لا ناظر له. فإذا قالوا ذلك، قلنا: فلم زعمتم أن له ناظراً، وأخذتم بالمجاز والتشبيه، وتركتم الأصل الذي هذا الاسم محمول عليه؟ فإن قالوا: إنما قلنا من أجل أن الأول لا يجوز على الله تعالى، والثاني جائز عليه، والله لا يتكلم بكلام إلا ولذلك الكلام وجه إما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015