العباد بالرغبة والرهبة، فاطرَّد التدبير، واستقامت السياسة، لموافقتهما ما في الفطرة، وأخذهما بمجامع المصلحة، ثم جعل أكثر طاعته فيما تستثقل النفوس، وأكثر معصيته فيما تلذ، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: " حفت الجنة بالمكاره، والنار بالشهوات ". يخبر أن الطريق إلى الجنة احتمال المكاره، والطريق إلى النار اتباع الشهوات، فإذا كانوا لم يصلحوا لخالقهم ولم ينقادوا لأمره إلا بما وصفت لك كم الرغبة والرهبة، فأعجز الناس رأياً وأخطؤهم تدبيراً، وأجهلهم بموارد الأمور ومصادرها، من أمل أو ظن أو رجا أن أن أحداً من الخلق فوقه أو دونه أو من نظرائه يصلح له ضميره، وصح له أو بخلاف ماد برهم الله عليه، فيما بينه وبينهم.
فالرغبة والرهبة أصلا كل تدبير، وعليها مدار كلَ سياسة، عظمت أو صغرت. فاجعلها مثالك الذي تحتذي عليه، وركنك الذي تستند إليه. واعلم أنك إن أهملت ما وصفت لك عرضت تدبيرك للاختلاط.