إنكم لا تقدرون أن تغيروا عوامكم عن فطرتهم التي فطرهم الله عليها، ثم مع هذا كله تابعهم جمهور من يتكلم في علم هذا الأمر، إلا من سبقت لهم من الله الحسنى، وهم كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود، يبغضونهم 1 الناس ويرمونهم بالتجسيم.
هذا، وأهل الكلام وأتباعهم من أحذق الناس وأفطنهم، حتى إن لهم من الذكاء والحفظ والفهم ما يحير اللبيب، وهم وأتباعهم مقرون أنهم مخالفون للسلف، حتى إن أئمة المتكلمين لما ردوا على الفلاسفة في تأويلهم في آيات الأمر والنهي، مثل قولهم: المراد بالصيام: كتمان أسرارنا، والمراد بالحج: زيارة مشايخنا، والمراد بجبريل: العقل الفعال، وغير ذلك من إفكهم، رد عليهم الجواب: بأن هذا التفسير خلاف المعروف بالضرورة من دين الإسلام، فقال لهم الفلاسفة: أنتم جحدتم علو الله على خلقه واستواءه على عرشه، مع أنه مذكور في الكتب على ألسنة الرسل، وقد أجمع عليه المسلمون كلهم وغيرهم من أهل الملل، فكيف يكون تأويلنا تحريفاً وتأويلكم صحيحاً؟ فلم يقدر أحد من المتكلمين أن يجيب عن هذا الإيراد، والمراد: أن مذهبهم مع كونه فاسداً في نفسه، ًمخالفا للعقول، وهو أيضاً مخالف لدين الإسلام والكتاب والرسول وللسلف كلهم؛ ويذكرون في كتبهم أنهم مخالفون للسلف، ثم مع هذا راجت بدعتهم على العالم والجاهل حتى طبقت مشارق الأرض ومغاربها.
وأنا أدعوك 2 إلى التفكر في هذه المسألة، وذلك أن السلف قد كثر كلامهم وتصانيفهم في أصول الدين، وإبطال كلام المتكلمين وتفكيرهم 3؛ وممن ذكر 4