والحاصل: أن صورة المسألة: هل الواجب على كل مسلم أن يطلب علم ما أنزل الله على رسوله، ولا يعذر أحد في تركه البتة؟ أم يجب عليه أن يتبع "التحفة" مثلاً 1؟ فأعلم المتأخرين وسادتهم، منهم ابن القيم، قد أنكروا هذا غاية الإنكار، وأنه تغيير لدين الله، واستدلوا على ذلك بما يطول وصفه من كتاب الله الواضح، ومن كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم البين 2 لمن نوّر الله قلبه. والذين يجيزون ذلك أو يوجبونه يدلون بشبه واهية، لكن أكبر شبههم على الإطلاق: أنا لسنا من أهل ذلك، ولا نقدر عليه، ولا يقدر عليه إلا المجتهد، وإنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون.
ولأهل العلم في إبطال هذه الشبهة ما يحتمل مجلداً، ومن أوضحه: قول الله تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ} 3، وقد فسرها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث عدي 4 بهذا الذي أنتم عليه اليوم في الأصول والفروع، لا أعلمهم يزيدون عليكم مثقال حبة خردل، بل يبين مصداق قوله: " حذو القذة بالقذة " إلخ. وكذلك فسرها المفسرون لا أعلم بينهم اختلافاً، ومن أحسنه: ما قاله أبو العالية: " أما إنهم لم يعبدوهم، ولو أمروهم بذلك ما أطاعوهم; ولكنهم وجدوا كتاب الله، فقالوا: لا نسبق علماءنا بشيء، ما أمرونا به ائتمرنا وما نهونا عنه انتهينا ".
وهذه رسالة لا تحتمل إقامة الدليل 5، ولا جواباً عما يدلي به المخالف، لكن