المعين لا يكفر؟ ولو دعا عبد القادر في الرخاء والشدة، ولو أحب عبد الله بن عون وزعم أن دينه حسن مع عبادته أبي حديدة، ولو أبغضك واستنجسك مع أنك أقرب الناس إليه لما رآك ملتفتاً بعض الالتفات إلى التوحيد، مع كونك توافقهم على شيء من شركهم وكفرهم.
وقال الشيخ أيضاً، في رده على بعض المتكلمين وأشباههم: والقوم وإن كان لهم ذكاء وفطنة، وفيهم زهد وأخلاق، فهذا لا يوجب السعادة إلا بالإيمان بالله وحده. وإنما قوة الذكاء بمنْزلة قوة البدن، وأهل الرأي والعلم بمنْزلة الملك والإمارة، فكل منهم لا ينفعه ذلك إلا أن يعبد الله وحده لا شريك له، ويتخذه إلهاً دون ما سواه، وهو معنى قول: "لا إله إلا الله". وهذا ليس في حكمتهم، ليس فيها إلا أمر بعبادة الله وحده، والنهي عن عبادة المخلوقات، بل كل شرك في العالم إنما حدث بزي جنسهم؛ فهم الآمرون بالشرك الفاعلون له، ومن لم يأمر منهم بالشرك فلم ينه عنه، بل يقر هؤلاء وهؤلاء، وإن رجح الموحدين ترجيحاً ما، فقد يرجح غيره المشركين، وقد يعرض عن الأمرين جميعاً. فتدبر هذا، فإنه نافع جداً. وكذلك الذين كانوا في ملة الإسلام لا ينهون عن الشرك، ويوجبون التوحيد [بل يسوغون الشرك ويأمرون به وهم إذا ادعوا التوحيد] 1 فإنما توحيدهم بالقول لا بالعبادة والعمل، والتوحيد الذي جاءت به الرسل لا بد فيه من التوحيد بإخلاص الدين كله لله، وعبادته وحده لا شريك له، وهذا شيء لا يعرفونه. والتوحيد الذي يدعونه إنما هو تعطيل حقائق الأسماء والصفات، فلو كانوا موحدين بالكلام، وهو أن يصفوا الله بما وصفته به رسله، لكان معهم التوحيد دون العمل، وذلك لا يكفي في النجاة، بل لا بد أن يعبد الله وحده