فصل منه:- وأمر المدينة عجب وفي تربها وترابها وهوائها دليل وشاهد وبرهان على قول النبيّ صلّى الله عليه وسلم: «إنّها طيّبة تنفي خبثها وتنصع طيبها» لأنّ من دخلها أو أقام فيها، كائنا من كان من النّاس، فإنّه يجد من تربتها وحيطانها رائحة طيبة، ليس لها اسم في الأراييح، وبذلك السبب طاب طيبها والمعجونات من الطّيب فيها. وكذلك العود وجميع البخور، يضاعف طيبها في تلك البلدة على كلّ بلد استعمل ذلك الطّيب بعينه فيها.
وكذلك صيّاحها والبلح والأترجّ والسّفرجل، أعني المجعول منها سخبا للصّبيان والنّساء.
فإن ذكروا طيب سابور فإنّما طيب سابور بطيب أرياح الرّياحين، وذلك من ريح رياحينها وبساتينها وأنوارها، ولذلك يقوى في زمان، ويضعف في زمان.
ونحن قد ندخل دجلة في نهر الأبلة بالأسحار، فنجد من تلك الحدائق، ونحن في وسط النهر، مثل ما يجد أهل سابور من تلك الرّائحة.
وطيبة التي يسمّونها المدينة، هذا الطّيب خلقة فيها، وجوهريّة منها، وموجود في جميع أحوالها. وإنّ الطّيب والمعجونات لتحمل إليها فتزداد فيها طيبا، وهو ضدّ قصبة الأهواز وأنطاكيّة، فإنّ الغوالى تستحيل الاستحالة الشّديدة.
ولسنا نشكّ أنّ ناسا ينتابون المواضع التي يباع فيها النّوى المنقع، فيستنشقون تلك الرائحة، يعجبون بها ويلتمسونها، بقدر فرارنا نحن من مواقع النّوى عندنا بالعراق، ولو كان من النّوى المعجوم ومن نوى الأفواه.
ونحن لا نشكّ أنّ الرجل الذي يأكل بالعراق أربع جرادق في مقعد واحد من الميساني والموصلّي، أنّه لا يأكل من أقراص المدينة قرصين؛ ولو كان ذلك