فصل منه:- ونحن، وإن أطنبنا في ذكر جملة القول في الوطن، وما يعمل في الطبائع، فإنّا لم نذكر خصال بلدة بعينها، فنكون قد خالفنا إلى تقديم المؤخّر وتأخير المقدّم.

قالوا: ولم نجهل ولم ننكر أنّ نفس الإلف يكون من صلاح الطبيعة، حتى إنّ أصحاب الكلاب ليجعلون هذا من مفاخرها على جميع ما يعاشر النّاس في دورهم من أصناف الطير وذوات الأربع: وذلك أنّ صاحب المنزل إذا هجر منزله واختار غيره، لم يتبعه فرس ولا بغل ولا حمار، ولا ديك ولا دجاجة، ولا حمامة ولا حمام، ولا هرّ ولا هرّة، ولا شاة، ولا عصفور؛ فإنّ العصافير تألف دور النّاس، ولا تكاد تقيم فيها إذا خرجوا منها. والخطاطيف تقطع إليهم لتقيم فيها إلى أوان حاجتها إلى الرّجوع إلى أوطانها، وليس شيء من هذه الأنواع ممّا تبوّأ في الدّور باجتلابهم لها، ولا ما تبوّأ في دورهم مما ينزع إليهم أحنّ من الكلب، فإنّه يؤثره على وطنه، ويحميه ممن يغشاه.

فذكروا الكلب بهذا الخلق الذي تفرّد به دون جميع الحيوان.

وقالوا في وجه آخر: أكرم الصّفايا أشدّها ولها إلى أولادها، وأكرم الإبل أحنّها إلى أعطانها. وأكرم الأفلاء أشدّها ملازمة لأماتها، وخير النّاس آلفهم للنّاس.

[3- خصال قريش]

فصل منه: وقلتم: خبّرونا عن الخصال التي بانت بها قريش عن جميع الناس. وأنا أعلم أنّك لم ترد هذا. وإنّما أردت الخصال التي بانت بها قريش من سائر العرب، كما ذكرنا في الكتاب الأوّل الخصال التي بانت بها العرب عن العجم؛ لأنّ قريشا والعرب قد يستوون في مناقب كثيرة. قد يلفى في العرب الجواد المبّر وكذلك الحليم والشّجاع، حتى يأتي على خصال حميدة؛ ولكنا نريد الخصائص التي في قريش دون العرب.

فمن ذلك أنّا لم نر قريشيّا انتسب إلى قبيلة من قبائل العرب، وقد رأينا في قبائل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015