صح من اصول التدبير في الدين صح في الدنيا وما فسد هنا فسد هناك «وانما الفرق بين الدين والدنيا اختلاف الدارين من الدنيا والآخرة فقط، والحكم ها هنا الحكم هناك، ولولا ذلك ما قامت مملكة ولا ثبتت دولة ولا استقامت سياسة» .
والآداب وضعت على اساس الطبائع، واهم الطبائع اثنان هما حب المنافع وكره المضار. ويدخل في حب المنافع حب الراحة والدعة والازدياد والعلو والعز والغلبة وما تستلذ الحواس من المناظر والروائح والطعوم والاصوات والملامس.
ويدخل في المكاره اضداد هذه.
وإذا ترك الناس وطبائعهم انساقوا مع الهوى وابتعدوا عن الفضائل نظرا للانانية المستولية عليهم، فكان لا بد من وازع او رادع، ومن تربية وتأديب.
والتأديب يقوم على اصلين هما الترغيب والترهيب. وهذا الاصلان يصلحان في الدين والدنيا لأنهما اصلا كل تدبير وعليهما مدار كل سياسة كما يقول الجاحظ «فإذا كانوا لم يصلحوا لخالقهم ولم ينقادوا لأمره الا بما وصفت لك من الرغبة (بالجنة) والرهبة (من النار) ، فاعجز الناس رأيا وأخطأهم تدبيرا، واجهلهم بموارد الأمور ومصادرها، من أمل او ظن او رجا ان احدا من الخلق- فوقه او دونه او من نظرائه- يصلح له ضميره، او يصح له بخلاف ما دبرهم الله عليه، فيما بينه وبينهم، فالرغبة والرهبة اصلا كل تدبير وعليهما مدار كل سياسة عظمت او صغرت» .
بيد ان الرهبة والرغبة لا تصلحان الا اذا قرنتا بالعدل. فالعدل هو الاصل الثالث للسياسة. وهو يعني الانصاف والمساواة.
يضاف الى العدل الوعد والوعيد وهو الاصل الرابع في السياسة. وهذا يعني التنفيذ والاثابة على العمل الصالح والعقوبة على العمل الطالح «ليعمل كل عامل على ثقة مما وعده واعده» وتعلق قلوب العباد بالرغبة والرهبة، ويطرد التدبير وتستقيم السياسة لموافقتهما ما في الفطرة، وأخذهما بمجامع المصلحة» . ولهذا يوصي الجاحظ القاضي بالتزام العدل في معاملة الناس. كما يوصيه بالجود مع