فداوم حالك وبقاء النّعمة عليك، بتقديرك أمورك على قدر الزمان، وبقدر الإمكان، فقد قال الشاعر:
من سابق الدّهر كبا كبوة ... لم يستقلها من خطى الدّهر
فاخط مع الدّهر على ما خطا ... واجر مع الدّهر كما يجري
واعلم أنّ الصمت في موضعه ربّما كان أنفع من الإبلاغ بالمنطق في موضعه، وعند إصابة فرصته. وذاك صمتك عند من يعلم أنّك لم تصمت عنه عيّا ولا رهبة. فليزدك في الصّمت رغبة ما ترى من كثرة فضائح المتكلّمين في غير الفرص، وهذر من أطلق لسانه بغير حاجة.
واعلم أنّ الجبن جبنان، والشّجاعة شجاعتان، وليست تكون الشجاعة إلّا في كلّ أمر لا يدرى ما عاقبته، يخاطر فيه بالأنفس والأموال. فإذا أردت الحزم في ذلك فلا تشجّعنّ نفسك على أمر أبدا إلّا والذي ترجو من نفعه في العاقبة أعظم ممّا تبذل فيه في المستقبل، ثم يكون الرجاء في ذلك أغلب عليك من الخوف.
وهاهنا موضع يحتاج فيه إلى النظر: فإن كان ذلك أمرا واجبا في الدّين، أو خوفا لعار؟؟؟ بّ به الأعقاب فأنت معذور بالمخاطرة فيه بنفسك ومالك. وإن كان أمرا تعظم منفعته في الدنيا إلّا أنّك لا تناله إلّا بالخطار بمهجة نفسك أو بتعريض كلّ مالك للتّلف، فالإقدام على مثل هذا ليس بشجاعة، ولكن حماقة بيّنة عند الحكماء.
وقد قالت علماء أوائل الناس:
لا يرسل السّاق إلّا ممسكا ساقا