ومنهم: زيد بن أيوب الكاتب، عمل في ديوان الجند أربعين سنة، ثم صار في آخر عمره قوّادا ليحيى بن أكثم القاضي. وذلك أن المأمون أمر له بفرض، فصيّر يحيى بن أكثم أمر ذلك الفرض إلى زيد بن أيوب، وأمره ألّا يفرض إلّا لأمرد بارع الجمال، حسن القدّ والصّورة. فكان امر ذلك الفرض مشهورا متعالما. ففي ذلك يقول الحسن بن علي الحرمازيّ لزيد بن أيوب:
يا زيد يا كاتب فرض الفراش ... أكلّ هذا طلب للمعاش
مالي أرى فرضك حملانهم ... يثبت في القرنين قبل الكباش
وعلى ذلك فإنّه لم يبلغني أنّه كان في ولاة ديوان الجند ولا في كتّابهم مثل المعلّى بن أيوب في نبله وارتفاع همته، وكرم صحبته، وعفافه، وجميل مذهبه، وشدة محاماته عمن صحبه وتحرّم به. فكان المأمون يعرف له ذلك ومن بعده من الخفاء، فثبتت وطأته، ودامت ولايته، وحمد أثره.
*** قد أتينا على بعض ما أردنا فيما له قصدنا، ولم نستعمل الانتزاعات فيما ذكرنا، وأعرضنا عن التأويلات فيما وصفنا، وقصدنا إلى المأثور فحكيناه، وإلى المذكور في الأزمنة فأجريناه، لئلا يجد الطاعن فيما وصفنا مقالا، والمنكر لذم ما ذممنا مساغا، وعلمنا أنّ من عاند مع ذلك فقد دفع عيانا وأنكر كائنا مذكورا. وفي ذلك دليل باهر على اضمحلاله، وشاهد عدل لأضداده.
ولو حكينا كلّ ما في هذا الجنس من الأقوال، وما يدخله من المقايسات والأشكال، لطال الكتاب، ولملّه الناظر المعجاب، فاكتفينا بالجزء من الكتاب، والبعض دون التمام، وعلمنا أنّ الناظر فيه إن كان فطنا أقنعه القليل فقضى، وإن كان بليدا جهولا لم يزده الإكثار إلّا عيّا،