بشرك، وألن لهم في المسألة والمنطق، وارفع لهم الحوائج، وسوّ بينهم في المراتب، وقدّمهم على الكفاية والغناء، لا على الميل والهوى.
وقال آخر لحاجبه: إنّك عيني التي أنظر بها، وجنّة أستنيم إليها، وقد ولّيتك بابي فما تراك صانعا برعيتي؟
قال: أنظر إليهم بعينك، وأحملهم على قدر منازلهم عندك، وأضعهم لك في إبطائهم عن بابك ولزومهم خدمتك مواضع استحقاقهم، وأرتّبهم حيث وضعهم ترتيبك، وأحسن إبلاغك عنهم وإبلاغهم عنك.
قال: قد وفيت بما عليك ولك قولا، إن وفيت به فعلا. والله وليّ كفايتك ومعونتك.
وعهد أمير إلى حاجبه فقال: إنّ أداء الأمانة في الأعراض أوجب منها في الأموال، وذلك أنّ الأموال وقاية للأعراض، وليست الأعراض بوقاية للأموال. وقد ائتمنتك على أعراض الغاشين لبابي، وإنّما أعراضهم أقدارهم، فصنها لهم، ووفّرها عليهم. وصن بذلك عرضي، فلعمري إنّ صيانتك أعراضهم صيانة لعرضي، ووقايتك أقدارهم وقاية لقدري؛ إذ كنت الحظيّ بزين إنصافهم إن أنصفوا، والمبتلى بشين ظلمهم إن ظلموا في غشيانهم بابي، وحضورهم فنائي.
أوف كلّ أمرىء قدره، ولا تجاوز به حدّه، وتوقّ الجور في ذلك التوقّي كلّه. أقبل على من تحجب بإبداء البشر وحلاوة العذر، وطلاقة الوجه ولين القول، وإظهار الودّ، حتّى يكون رضاه عنك لما يرى من بشاشتك به وطلاقتك له، كرضا من تأذن له عنك لما يمنحه من التكريم، ويحويه من التعظيم؛ فإنّ المنع عند الممنوع في لين المقالة يكاد يكون كالنّيل عند العظماء