إلى شجر ألمى الظّلال كأنّه ... رواهب أحرمن الشّراب عذوب

وجعل الله اللّيل سكنا وجماما، والنّهار للكسب والكدّ.

والذي يدلّ على أنّ السّواد في وجه آخر مقرون بالشدّة والصّرامة، والهيج والحركة، انتشار الحيّات والعقارب وشدّة سمومها باللّيل، وهيج السّباع واستكلابها باللّيل. وتحرّك الأوجاع وظهور الغيلان، هذه كلّها بالليل.

قال: وأشبهنا اللّيل من هذا الوجه.

قالوا: وأبلغ ما تكون القائلة وأشفاها للنّفس، وأسرع لمجيئها إذا أردتها، وأبطأ لذهابها إذا كرهتها، ما كان منها في الظّلمة، عند إسببال السّتور وإغلاق الأبواب.

قالوا: وليس لون أرسخ في جوهره وأثبت في حسنه من سواد.

وقد جرى المثل في تبعيد الشيء: «لا ترى ذلك حتّى يبيّض القار، وحتّى يشيب الغراب» .

وهو العرض الملاء عند الحكماء.

وأكرم العطر المسك والعنبر، وهما أسودان.

وأصلب الأحجار سودها. وقال أبو دهبل الجمحيّ يمدح الأزرق المخزوميّ، وهو عبد الله بن عبد شمس بن المغيرة:

فإنّ شكرك عندي لا انقضاء له ... ما دام بالجزع من لبنان جلمود

أنت الممدح والمغلى به ثمنا ... إذ لا يعاتب صخر الجندل السّود

والعرب تفخر بسواد اللّون. فإن قال: فعلام ذلك وهي تقول: فلان هجان، وأزهر وأبيض، وأغرّ؟ قلنا: ليس تريد بهذا بياض الجلد، إنّما تريد به كرم الجوهر ونقاءه. وقد فخرت خضر محارب بأنّها سود، والسّود عند

طور بواسطة نورين ميديا © 2015