وفّقك الله للسلامة والغنيمة، وأعزّك بالحقّ، وختم لك بالسعادة، وجعل لك من علمك واعظا ورقيبا [و] من نفسك سامعا ومطيعا؛ وجعل لك مع حزمك نصيبا من التوكل، ومع توكلك حظّا من التحذّر، حتى تقبل إذنه في الحذر وتطيع أمره في التوكّل؛ قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اعقلها وتوكّل» ، فجمع بين الأمرين وسوّى بين الوصيّتين، وقال صلى الله عليه وسلم: «أبل الله من نفسك عذرا، فإذا أعجزك أمر فقل: الله حسبي» ، قال أبو عبيدة ابن الجرّاح لعمر بن الخطّاب حين خاف طواعين الشام فانكفأ راجعا إلى المدينة: «أتفرّ من قدر الله؟» - قال: «نعم، إلى قدر الله!» وقال له سعيد بن جرير: «قم، أينفع الحذر من القدر؟» - فقال: «لسنا ممّا هناك في شيء؛ إنّ الله لا يأمر بما لا ينفع ولا ينهى عمّا لا يضرّ» .
وقد كنت حذّرتك، يا ابن حسّان، أمورا، فكأني أغريتك بها، وآنستك بأمور، فكأني أوحشتك منها، وكنت لا أظنّ بك من النقصان إلّا ما كان عن بلوغ الكمال، ولا من التقصير إلّا ما كان عن التفضل، ولا من تضييع الرأي إلّا ما أمكن من استدراكه قبل الفوت، ولا من نكوب ما لا يبلغ الكثير إلّا ما لا يسبق الندم، ولا من النسيان إلّا ما لا يمنع من سرعة الانتباه، ولا من السآمة إلّا ما لا يقرّب من المعجزة، ولا من الحميّة إلا ما لا يخلط العصبيّة،