وبالرغم من استماتة الأعداء في القتال وتكاثرهم , واتخاذهم الأسوار المنيعة والأبرجة المنيفة , والودية العميقة , والأماكن الوعرة الحصينة , فقد نفذ السلطان برجاله إليهم , وأحاط بهم , فأخذوا يراسلونه بقصد مراوضته حتى تصلهم النجدة , ولكنه كشف حيلتهم , وأنزل الهزيمة الساحقة بهم , إذ أخذت المنجنيقات تضرب في جوانب السور , كما انطلقت سهامها تتخلل شرفاته كما يتخلل السواك ثنايا الفم , وكان المنجنيق في أثناء ذلك كله يعلو في السماء حينا , وينخفض إلى الأرض حينا كأنه النسر , واستطاع المنجنيق كذلك أن يشق فتحات الأبراج التي تتخلل السوار جميعها من الناس , كما خلا ميدان القتال نفسه من الجند , أما النقابون فقد استطاعوا أن يكشفوا النقاب عن هذه الحرب الزبون , يدكوا هذه الحصون حنى عادت سيرتها الأولى من الطوب والحجارة , ثم عاد المنجنيق إلى تلك الصخور التي أمامه بمعوله طحنا , وما زال يضربها ضربا حتى لم يعد لها أثر.
وسمعت الصخرة الشريف لتلك الصخور أنينها واستغاثتها وحنينها , فرقت لها , وعجبت لخرابها , وعاد النقابون ففتحوا أبوابا أخرى في السور أيأست العدو من النجاة , وصاح الكاتب عندها: واحسرتاه 1.