بعض الولاة والمستخدمين، وامتداد أيديهم ما توجب السياسة صرفهم عما ولوه منها، وما كان منها مما يسأل السلطان في صحته، ندب من يثق فيه لكشفه مع رافعه، فإن صح قوله أنصف من خصمه، وإن بان تمحله قوبل بما يردع أمثاله على الكذب والتخرص، فيكون ذلك كافاً لمن يهم بشكوى أحد على سبيل المحال وقول الزور فيه"1.
ناظر ديوان الجيوش:
ولما كانت الدولة الأيوبية تتبع نظام الإقطاع الحربي في توزيع الأرض على الأمراء والأجناد، فإنه نشأت وظيفة ناظر ديوان الجيوش لرعاية مصالح هذه الإقطاعات، ويوضح النابلسي الأعمال التي يباشرها صاحب هذا الديوان، فيقول:
"إنه يسترفع كل سنة نسخة قوانين ري البلاد، ليعلم ما نقص وما زاد، وكذلك نسخ السجلات من البلاد ليعلم ما ترجح من ارتفاعها، وما هي عليه من أوضاعها، وما انتقل من مدن العين إلى الغلة، ومن الغلة إلى العين، ومن صنف إلى صنف، وما عمر فيها من الخراب الذي لا يعلوه النيل وغير ذلك.
وترفع إليه أوراق زيادة النيل بعد انتهاء الزيادة، ليعلم بها قوانين الري ما روى من البلاد، ومن صفات الناظر في هذا الديوان، أن يكون كبير القدر في نفسه وعند سلطانه، له جلالة ووجاهة، فإن أمراء الدولة مع جلالة أقدارهم، يحتاجون إلى مخاطبته والتلطف لأجل إقطاعاتهم وأجنادهم وجلب مصالحهم، ودفع مضارهم"2.
وأما الصفات اللازمة له في أثناء الحرب، حتى يكون ناجحاً في تأدية مهمته القتالية على أحسن وجه، أن يأخذ لضعيفها من قويها، ويقيم الحدود فيها على من وجبت عليه، ويقوي يد ديوانها على استخراج الأموال، وتمشية الأشغال، وحفظ السبل إلى عمله من كل جهة، هي داخلة في حد عمله.
ويحتاج أيضاً إلى أن يكون ذا سياسة ورياسة، وعقل رصين ونزاهة، وعفة فرج ويد ولسان، وحسن تدبير، وصدق لهجة، ويقظة وعزم، وتحل بهمة وعزم3.
ولما كانت المهمة المنوطة بناظر ديوان الجيش ذات أهمية بالغة في عصر الحروب الصليبية، أردنا أن نستعين بالصورة التي رسمها علي بن خلف في عصر الدولة الفاطمية،