وإيضاح الواجب فيه بأحسن تأن وأفضل تلطف، ويكون من كتمان السر بمنزلة لا يدانيه فيها أحد"1.

ما ذكرناه هو مجمل الصفات الشخصية الواجب توافرها في متولي هذا الديوان، فما هو نوع الثقافة اللازمة له؟

نجد أن العناصر الأساسية لهذا العمل أن يكون صاحب الديوان مثقفا، وأول ما يجب أن يعتني به حفظ كتاب الله تعالى. فهو أحوج الناس إلى الإستشهاد به في أثناء محاوراته، وفصول مكاتباته، والتمثل بنواهيه وأوامره، والذكر لقوارعه وزواجره، ويجب أن يكون من البلاغة والفصاحة في أعلى مرتبة وأسنى منزلة، بحيث لا يوجد أحد في عصره يفوقه في هذا الفن، وينبغي أن يكون مظطلعا بفنون الكتابة، عالما بأصولها وفصولها، مستقلا بأعبائها، يفوق في النهضة جميع المستخدمين معه والمعينين له.

ويكون حافظا لأخبار الرسول والأئمة، راويا لأخبار الملوك وأيام العرب ووقائعهم، وأخبار العجم وسائر الأمم، وما جرى في أيام الملوك الماضين، وما حدث من وزرائهم وكتابهم وقوادهم وأخبارهم.

ويجب أن يكون لديه شيء من معرفة الحلال والحرام، ليكون واجدا له متى دفع إلى أن يسأل عنه، ويجب أن يكون حافظا للأشعار راويا للكثير منها، ويجب أن يكون قد قرأ من العربية والتصريف واللغة أكثرها2.

وأخيراً نتحدث عن مجمل صفاته السلوكية تجاه الملك كما جاء في كتاب قانون ديوان الرسائل، وهو أن ينحل الملك صائب الآراء، ولا ينتحلها عليه، ومهما حدث من رأي صائب أو فعل جميل، أو تدبير حميد أشاعه وأذاعه وعظمه وفخمه وكرر ذكره، وأوجب على الناس حمده وشكره، وإذا قال الملك قولا في مجلسه أو بحضرة جماعة ممن يخدمه، فلم يره موافقا للصواب فلا يجبهه بالرد عليه واستهجان ما أتى به، فإن ذلك خطأ كبير بل يصبر لحين الخلوة ويداخل في أثناء كلامه ما يوضح به نهج الصواب من غير تلق برد، ولا يتبجح بما عنده، ويكون متابعا للملك على أخلاقه الفاضلة وطباعه الشريفة.

وإن أحس منه بخلة تنافي هذه الخلال، وفعلة تخالف هذه الأفعال، نقله عنها بألطف سعي وأحسن تدريج، ولم يدع ممكنا في تبيين متجهها وإيضاح رداءة عاقبتها،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015