فإن الأمر في ذلك كما قال الشاعر:
وما كلّ ذي لبّ بمؤتيك نصحه ... ولا كلّ مؤت نصحه بلبيب
ولقد استحسن الناس من بعض رجال العراق أنّه دخل على عبد الملك ابن مروان فأوقع بالحجّاج عنده وسبّه، فلمّا خرج من عنده خبّر بما كان منه لبعض أصحابه، فلامه وأنّبه وقال: ما يؤمنك أن يخبر أمير المؤمنين عبد الملك الحجاج بما قلت فيه- ومرجعك الى العراق- فيضغنه عليك؟ قال:
كلّا، والله إنّي ما رطلت بيدي قطّ أحدا أرزن منه.
وهذا والله- أبقاك الله- الغلط البيّن، والعذر الملفّق، وتحسين فارط الخطأ، لأنّه ليس كلّ راجح وعاقل بناصح لصاحب السرّ، ولو كان أخوه كذلك كان أمره إليه أهمّ، وشأنه أولى. والأعلى من الناس لا يكلّف الأدنى هذه المؤونة، وإنّما يفعلها الأدنون بالاعلين رغبة ورهبا، وتحسّسا عندهم بحاجتهم إليهم.
وأكثر ما يذيع أسرار الناس أهلوهم وعبيدهم، وحاشيتهم وصبيانهم، و [من] لهم عليهم اليد والسلطان. فالسرّ الذي يودعه خليفة في عامل له يلحقه زينه وشينه، أحرى ألّا يكتمه. وهذا سبيل كل سرّ يستودعه الجلّة والعظماء، ومن لا تبلغه العقوبة ولا تلحقه اللائمة.
وقال سليمان بن داود في حكمته: ليكن أصدقاؤك كثيرا، وصاحب سرّك واحدا من ألف.
وليس معنى الحديث أن تعدّ ممن تعرف ألفا وتفضى إلى واحد بسرّك إن لم يكن ذلك الواحد موضعا للأمانة في السرّ. لكنه قيل: رجل يساوي ألف