عاقبة، ولا يتحرّز له من مصيبة. وكلّما كانت إذاعته لأسراره أكثر كان عدد مواليه أكثر، وشقاؤه بخدمتهم أدوم. فإذا كان أصل السرّ معلوما عند عدّة أو أقلّ من العدّة، فما أعسر استتاره. غير أنّه لا لوم على صاحب الخيانة فيه إذا كان ليس هو الذي أفشاه، ولا من قبله علم.
ولو أنّ أوزن الناس حلما ملك لسانه وحصّن سرّه وقلّل لفظه، ما قدر على أن يملك لحظ عينيه، وسحنة وجهه، وتغيّر لونه، وتبسّمه أو قطوبه، عند ما يجرى بلبّه من ذكر ذلك السرّ، أو يخطر بباله منه، فيبدو في وجهه ومخايله إذا عرّض بذكره، أو سنح له نظير أو مثيل، أو حضر من له فيه سبب- إلّا بعد التصنّع الشديد، والتحفّظ المفرط.
فإذا كان يعرف من هذه الجهات وما أشبهها، ويطّلع عليه بتظنّن المرجّمين، والمتعقّبين للأفعال والأقوال، والنظر في مصادر التدبير ومخايل الأمور، فيفشو من هذه الجهات أكثر مما تفشيه ألسن المذاييع البذر. فكيف إذا أطلق به اللسان، وعوّد إذا عته القلب. والعادة أملك بالأدب.
وربّما أدركه الحدس، وقيّضه الظنّ، فنالت صاحبه فيه خدعة، بأن يذكر له طرف منه، ويوهم أنه قد فشا وشاع، فيصدّق الظنّ فيجعله يقينا، ويفسّر الجملة فيصيّرها تفصيلا، فيهلك نفسه ويوبقها.
وربّ كلام قد ملأ بطون الطّوامير قد عرف جملته وما فيه الضّرر منه، بسحاءة أو طابع، أو لحظة مطّلع في الكتاب، أو حرف تبيّن من ظهره.
فاستيقظ عند هذه الأحوال، واستعمل سوء الظّنّ بجميع الأنام، فإنه روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الحزم سوء الظنّ» . وقيل لثقيف: بم بلغتم ما بلغتم من الشّرف والسؤدد؟ قالوا: بسوء الظنّ.
فلا تعتمد على رجل في سرّك تحمد عقله دون أن تحمد ودّه ونصحه،