أمّا بعد فإنّي قد تصفّحت أخلاقك، وتدبّرت أعراقك، وتأمّلت شيمك، ووزنتك فعرفت مقدارك، وقوّمتك فعلمت قيمتك، فوجدتك قد ناهزت الكمال، وأوفيت على التّمام، وتوقّلت في درج الفضائل، وكدت تكون منقطع القرين، وقاربت أن تلفى عديم النّظير، لا يطمع فضل أن يفوتك، ولا يأنف شريف أن يقصر دونك، ولا يخشع عالم أن يأخذ عنك.
ووجدتك في خلال ذلك على سبيل تضييع وإهمال لأمرين: هما القطب الذي عليه مقار الفضائل، فكنت أحقّ بالعدل، وأقمن بالتأنيب ممن لم يسبق شأوك، ولم يتسنّم رتبتك، لأنه ليس ملوما على تضييع القليل من قد أضاع الكثير، ولا يسام إصلاح يومه وتقويم ساعته من قد استحوذ الفساد على دهره، ولا يحاسب على الزّلّة الواحدة من لا يعدم منه الزلل والعثار، ولا ينكر المنكر على من ليس من أهل المعروف، لأنّ المنكر إذا كثر صار معروفا، وإذا صار المنكر معروفا صار المعروف منكرا.
وكيف يعجب ممن أمره كلّه عجب، وإنّما الإنكار والتعجّب ممن خرج