هذه احدى وعشرون رسالة من مؤلفات الجاحظ الكثيرة التي ضاع معظمهما ولم يصلنا منها سوى ربع عددها تقريبا. وما وصلنا منها ليس كاملا الا في أقله.
وقد اطلقنا على هذه المجموعة اسم الرسائل الأدبية لا بالمعنى الذي نفهمه اليوم من الأدب، أي ذلك الفن الجميل الذي يغلب عليه الخيال والعاطفة، ولكن بالمعنى الذي فهمه الجاحظ نفسه في قوله «والأدب اما خلق واما رواية، وقد اطلقوا له اسم المؤدب على العموم» (المعلمين) . فالأدب يعني الاخلاق كما يعني رواية العلم او نقله بين الاجيال بواسطة المؤدب او المعلم، والكتاب.
ان الجاحظ لم يكتب ادبا خالصا او صافيا الا فيما ندر. لقد كان رجل فكر في المرتبة الأولى ورجل ادب في المرتبة الثانية. ولقد عبر عن فكره باسلوب أدبي، فجمع بذلك بين الفكر والأدب. ولكن دارسيه المعاصرين اقتصروا على الناحية الادبية عنده ولم يفطنوا او لم يهتموا بالناحية الفكرية وهي الناحية الأهم والغالبة عليه. وهذا ما قمنا به في كتابنا «المناحي الفلسفية عند الجاحظ» .