ولم يقل: الطويلة. وقال:
ولا تحسداني بارك الله فيكما ... على الأرض ذات العرض أن توسعا
وقال الراجز:
تقطع أرضا وتلاقي أرضا ... إنّ البلاد غلبتني عرضا
ولم يقل: طولا. وقلت: لولا فضيلة العرض على الطول لما وصف الله الجنة بالعرض دون الطول حيث يقول جل ثناؤه: وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ
. فهذه براهينك الواضحة ودلائلك الظاهرة، ولو لم يكن فيك من الرضا والتسليم ومن القناعة والإخلاص إلا أنك ترى أن ما عند الله خير لك مما عند الناس، وأن الطول الخفي أحب إليك من الطول الظاهر، لكان في ذلك ما يقضي لك بالإنصاف ويحكم لك بالتوفيق.
وأنا أبقاك الله أتعشق إنصافك كما أتعشق المرأة الحسناء، وأتعلم خضوعك للحق كما أتعلم التفقه في الدين، ولربما ظننت أن جورك إنصاف قوم آخرين، وأن تعقدك سماح رجال منصفين، وما أظنك صرت إلى معارضة الحجة بالشبهة ومقابلة الإختيار بالاضطرار واليقين بالشك واليقظة بالحلم، إلا للذي خصصت به من إيثار الحق وألهمته من فضيلة الإنصاف، حتى صرت أحوج ما تكون إلى الإنكار أذعن ما تكون بالإقرار، وأشد ما تكون إلى الحيلة فقرا أشد ما تكون للحجة طلبا، إلا أن ذلك بطرف ساكن وصوت خافض وقلب جامع وجأش رابط وبنية حسنة وإرادة تامة مع غفلة كريم وفطنة عليم! إن انقطع خصمك تغافلت، وإن خرق ترفقت، غير منخوب ولا متشعب ولا مدخول ولا مشترك ولا ناقص النفس ولا واهن العزم ولا حسود ولا منافس ولا مغالب ولا معاقب، تفل الحز وتصيب المفصل وتقرب البعيد وتظهر الخفي وتميز الملتبس وتخلص المشكل، وتعطي المعنى حقه من اللفظ كما تعطي