من أقاويلهم ويتعاظمك من اختلافهم والراسخون في العلم والناطقون بالفهم يعلمون أن استفاضة عرضك قد أدخلت الضيم على ارتفاع سمكك، وأن ما ذهب منك عرضا قد استغرق ما ذهب منك طولا. ولئن اختلفوا في طولك لقد اتفقوا في عرضك. وإذ قد سلّموا لك بالرغم شطرا ومنعوك بالظلم شطرا فقد حصلت ما سلّموا وأنت على دعواك فيما لم يسلّموا. ولعمري إن العيون لتخطيء، وإن الحواس لتكذب، وما الحكم القاطع إلا للذهن، وما الاستبانة الصحيحة الا للعقل إذ كان زماما على الأعضاء وعيارا على الحواس. ومما يثبت أيضا أن ظاهر عرضك مانع من إدراك حقيقة طولك قول أبي دواد الإيادي في إبله:
سمنت واستحشّ أكرعها ... لا النّيّ نيّ ولا السّنام سنام
وقول رافع بن هريم:
أدقّ شواها عند بهرة جوفها ... سنام كقصر الهاجريّ مقرمد
ولو لم يكن من العجب إلا أنك أول من تعبده الله تعالى بالصبر على خطأ الحس وبالشكر على صواب الذهن، لقد كنت في طولك آية للسابلين، وفي عرضك منارا للضالين: وقد تظلم المربوع مثلي من الطويل مثل محمد ومن القصير مثل أحمد إذ زعم محمد أنه إنما أفرط في الرشاقة ونسب إلى القضافة لأن إفراط طوله غمر الإعتدال من عرضه. وزعم أحمد أنه إنما أفرط في العرض ونسب إلى الغلظ لأن افراط عرضه غمر الإعتدال من طوله. وكلاهما يحتاج إلى الاعتذار ويفتقر إلى الاعتلال. والمربوع بحمد الله قد اعتدلت أجزاؤه في الحقيقة كما اعتدلت في المنظر! فقد استغنى بعز الحقيقة عن الاعتذار وبحكم الظاهر عن الاعتلال. وقد سمعنا من يذم الطوال كما سمعنا من يزري