كان بدر منه، لتظنّ به الرّعة، ويقال إنّه لم يرجع عن قوله واعترف بالخطأ إلّا من عقل وازع، ودين خالص. وإنما ذلك حيلة منه ودهاء قدّمه أمام ما يريد أن يوكّد لنفسه ويوطّد لها، من قبول القول في سائر ما يرد عليه من الكتب عن غير مواقفة على مواضع، ويجعل ما قد تقدّم له من الرّجوع عن قوله عند ما تبيّن له خلاف ما قال، أوثق أسباب عدالته، وأحكم عرى نصفته.

وكان يقال: من لطيف ما يستدعي به الصّدق إظهار الشك في الخبر الذي [لا] يشكّ فيه.

وكان يقال: من غامض الرياء أن ترى بأنك لا ترائي. ومن أبلغ الطّعن على ما تريد الطّعن عليه أن تطعن ثم تستغفر الله، ثم تتمهّل فترة، ثم تعود لطعن هو أعظم منه وأطمّ من الأوّل؛ ليوثق بك فيه، ويقال: إنّ هذا لو كان عن حسد ما رجع عن الطعن الأوّل.

وقد قيل: ذو الغيبة المشهور بها المنسوب إليها يقلّ ضرره، ويضعف كيده، لما شاع له في الناس وانتشر منه، فكان عندهم ظنينا متّهما، ومطبوعا عليها، يستمعون منه على قضاء ذمام المجالسة والتلذّذ به، من غير قبول ولا اصطفاء له.

وإنما البليّة في غيبة حذّاق المغتابين الذين يسمعون، فيضحكون ولا يتكلّمون. وأحذق منهم الذين يستمعون ويسكتون القائل ويدعون الله بالصّلاح للمقول فيه، فهم قد أسكتوا القائل المغتاب ودعوا للمقول فيه، وأوكدوا قول القائل؛ لأنّه لو حلّ عندهم محلّ البراءة مما قيل له لجبّه القائل وردع عن قوله.

وقد قال بعض العلماء: إنّ عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود كان من نبلاء المغتابين وحذّاقهم حيث يقول:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015