الجبال التماسا للتسلّم وحبّا للسلامة، وتغلغل إلى المحقّرات طلبا للتعرّض وحبّا للشرّ.

ومتى قدرت على عدوّك فلم تجعل العفو عنه شكرا للقدرة عليه، ومتى لم تتغافل عنه تكرّما أو تدعه احتقارا، ومتى اكترثت لكبير وضاق صدرك عن شيء عظيم فهأنذا بين يديك، فكلني بخلّ وخردل؛ فو الله إنّك لتأكل غثّا غير مريء، وخبيثا غير شهيّ.

لا والله، لكأنّك وقعت على مطمورة، وظفرت برأس خاقان. كنت أظنّ أنّ الرشاقة والحلم لا يجتمعان، وأنّ ظرف الإنسان وأصالة الرأي لا يفترقان، وأنّ النّزق والخفّة مقرونان بخفّة البدن، وأنّ الرّكانة والأناة مجموعتان لصاحب السّمن، حتى رأيتك فاعتقدت بك خلاف ذلك الرأي، واستبدلت فيك ضدّ ذلك الظّن. فتركتني حتى إذا نازعت الرجال، وتعرّضت للشّجى، وشغلت نفسي بثلب الخصام، وانقطعت إلى أصحاب القدود، وجعلت عدوائي في تقديم القضاف، وطال لساني، وأظهرت الاستبصار في فضلك، وجعلت مزاج أخلاطك هو الحجة، واعتدالك هو النهاية، وطبيعتك هي المسكة؛ وزعمت أنّ منظرك يغني عن مخبرك، وأنّ أوّلك يجلّي عن آخرك- شددت عليّ شدّة المهر الأرن، وتسرّعت إليّ تسرّع الغرّ النّزق، وألححت [عليّ] إلحاح اللّجوج الحنق. كأنّك لم تحفل بما يشيع لك من اسم المتسرّع، وبما تضاف إليه من سخف المتترّع، بعد أن تكذّب قولي وتفنّد خبري.

وقد تقدمت التجربة أن الحديد لا يكون حقودا، وأن المصطنع لا يكون للصنيعة حاسدا، فقصدت على رأس إلى القياس الممتحن فأفسدته، وإلى الطبائع المعتدلة فنقضتها، وإلى القضايا الصحيحة فرددتها.

وقالوا بأجمعهم: حالان لا تقبلان الحسد، ولا يخلوان من الرّشد:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015