والشّكل إلى الشّكل، وتقدّمت في استجادة الجلود، وفي تمييز الصنّاع، وفي تخيّر البياعات، وغرمت المال، وشغلت البال، وجعلتها مصحفا مصحفا، وأجملتها صنفا صنفا؛ ورأيت أنّي قد أحكمت شأني، وجمعت إليّ أقطاري، رأيت أن أنظر فيها وأنا مستلق ولا أنظر فيها وأنا منتصب، استظهارا على تعب البدن؛ إذ كانت الأسافل مثقلة بالأعالي، وإذ كان الانتصاب يسرع في إدخال الوهن على الأصلاب؛ ولأنّ ذلك أبقى على نور البصر، وأصلح لقوّة الناظر؛ إذ كلّ واحد من هذه المصاحف قد أعجز يدي بثقل جرمه، وضيّق صدري بجفاء حجمه. وإذا ثقل أنكأ الصدر، وأوهن العظم.
وإذا أنا نظرت فيها وأنا جالس سدرت عيني، وتقوّس ظهري، واجتمع الدم في وجهي، وأكرهت بصري على غير جهته، وأجريت شعاع ناظري في غير مجراه.
وقد علمت- أبقاك الله- مع خبرتك بمقابح الأمور، ومواقع المنافع والمضارّ، ثم بمصالح العباد والبلاد، أنّ من كان على مقطع جبل، أو على شرفات قصر، فأراد رؤية السماء على بعدها، وجد ذلك على العين سهلا خفيفا، وإن أراد أن يرى الأرض على قربها، وجد ذلك على العين عبئا ثقيلا. فإن بدا لي أن يقابل عيني به العبد، أو تواجهني به الأمة، كلّفت أخرق النّاس كفّا، وأقلّهم وفقا، وأكثرهم التفاتا، وأحضرهم نعاسا، وأقلّهم على حال واحدة ثباتا، وأجهلهم بمقدار الموافقة، ولمقادير المقابلة، وبحطّ اليد ورفعها، وإمالتها ونصبها. ثم رأيت في تضجّرهم وتكرّههم وفرارهم منه، ما صيّر تجشّمي لثقل وزنه، ومقاساتي لجفاء حجمه، أهون على يدي، وأخفّ على قلبي. فإن تعاطيته عند ذلك بنفسي فشقاء حاضر، وإن ألزمته غيري فغيظ قاتل. وحتّى صارت الحال فيها داعية إلى ترك درسها والمعاودة لقراءتها، مع ما كان فيها من الفائدة الحسنة، والمنافع الجامعة،