وإذا كان ممن لا يسيء فيك القول، ولا يرصدك بالمكروه إلّا لتعطيه على الخوف، وتمنع عرضك من جهبة التقيّة فامنعه جميل رفدك، واحتل في منعه من قبل غيرك؛ فإنّك إن أعطيته على هذه الشريطة، وأعظمته من هذه الحكومة فقد شاركته في سبّ نفسك، واستدعيت الألسنة البذيّة إلى عرضك، وكنت عونا لهم عليك.
وكيف تعاقبه على ذنب لك شطره، وأنت فيه قسيمه، إلا أنّ عليك غرمه ولك غنمه.
ومن العدل المحض والإنصاف الصحيح أن تحطّ عن الحسود نصف عقابه، وأن تقتصر على [بعض] مقداره، لأنّ ألم حسده لك قد كفاك مؤونة شطر غيظك عليه.
وأما الوادّ فلا تعرض له البتة، [ولا تلتفت لفته] ، ولو أتى على الحرث والنسل، وحتى على الرّوح والقلب. ولا تغتر بقوله إنّي وادّ، ولا تحكم له بدعواه بأنى جدّ وامق. وانظر أنت في حديثه وإلى مخارج لفظه، وإلى لحن قوله، وإلى طريقته وطبيعته، وإلى خلقه وخليقته، وإلى تصرّفه وتصميمه وإلى توقّفه وتهوّره. وتأمّل مقدار جزعه من قلة اكتراثه، وانظر إلى غضبه فيك ولك، وإلى انصرافه عمن انصرف عنك وميله إلى من مال إليك، وإلى تسلّمه من الشر وتعرّضه له، وإلى مداهنته وكشف قناعه. بل لا تقض له بجماع ذلك ما كان ذلك في أيام دولتك ومع إقبال من أمرك، وإن طالت الأيام وكثرت الشهور، حتى تنتظم الحالات، وتستوي فيه الأزمان.
نعم، ثمّ لا تحكم له بذلك حتى تكون حاله مقصورة على محبّتك، ومحنوّة على نصيحتك، بالعلل التي توجب الأفعال. والأسباب التي تسخّر القلوب للمودّات، كالعلل الثابتة في الصنيعة، والأسباب الموجودة مع مولى العتاقة؛ فإنّ عللهما خلاف علل مولى الكلالة، وخلاف علل الصّديق الذي