فأيّ شيء بقّيت للعدوّ المكاشف والمنافق الملاطف، وللمعتمد المصرّ وللقادر المدلّ.
ومن عاقب على الصّغير بعقوبة الكبير، وعلى الهفوة بعقوبة الإصرار، وعلى الخطأ بعقوبة العمد، وعلى معصية المتستّر بعقوبة معصية المعلن، ومن لم يفرق بين الأعالي والأسافل، وبين الأقاصي والأداني، عاقب على الزّنى بعقوبة السّرق، وعلى القتل بعقوبة القذف. ومن خرج إلى ذلك في باب العقاب خرج إلى مثله في باب الثّواب. ومن خرج من جميع الأوزان وخالف جميع التعديل، كان بغاية العقاب أحقّ، وبه أولى.
والدّليل على شدّة غيظك وغليان صدرك قوّة حركتك وإبطاء فترتك، وبعد الغاية في احتيالك. ومن البرهان على ثبات الغضب، وعلى كظم الذنب تمكّن الحقد ورسوخ الغيظ، وبعد الوثبة وشدّة الصّولة.
وهذا البرهان صحيح ما صحّ النظم، وقام التعديل، واستوت الأسباب.
ولا أعلم نارا أبلغ في إحراق أهلها من نار الغيظ، ولا حركة أنقض لقوّة الأبدان من طلب الطوائل مع قلة الهدوء والجهل بمنافع الجمام، وإعطاء الحالات أقسامها من التدبير.
ولا أعلم تجارة أكثر خسرانا ولا أخفّ ميزانا من عداوة العاقل [العالم] ، وإطلاق لسان الجليس المداخل، والشّعار دون الدّثار، والخاصّ دون العامّ.
والطالب- جعلت فداك- بعرض ظفر ما لم يخرج المطلوب، وإليه الخيار ما لم تقع المنازلة. ومن الحزم ألّا تخرج إلى العدوّ إلّا ومعك من