الريح الخفيّ.
وكيف لا يفعلون ذلك ويدينون به وقد شهدوا من شهد النبيّ صلى الله عليه وسلم قد حرّمها وذمّها، وأمر بجلد شاربها.
ثمّ كذلك فعل أئمّة الهدى من بعده. فهم إلى يوم الناس على رأي واحد، وأمر متّفق، ينهون عن شربها، ويجلدون عليها.
وإنّا نقول في ذلك: إنّ عظم حقّ البلدة لا يحلّ شيئا ولا يحرّمه، وإنّما يعرف الحلال والحرام بالكتاب الناطق، والسّنّة المجمع عليها، والعقول الصّحيحة، والمقاييس المصيبة.
وبعد، فمن هذا المهاجريّ أو الأنصاريّ، الذي رووا عنه تحريم الأنبذة ثم لم يرووا عنه التحليل؟ بل لو أنصف القائل لعلم أنّ الذين من أهل المدينة حرّموا الأنبذة ليسوا بأفضل من الذين أحلّوا النّكاح في أدبار النّساء، كما استحلّ قوم من أهل مكّة عاريّة الفروج، وحرّم بعضهم ذبائح الزّنوج، لأنّهم فيما زعموا مشوّهو الخلق. ثم حكموا بالشّاهد واليمين خلافا لظاهر التنزيل. وأهل المدينة وإن كانوا جلدوا على الرّيح الخفي فقد جلدوا على حمل الزّقّ الفارغ؛ لأنّهم زعموا أنّه آلة الخمر، حتّى قال بعض من ينكر عليهم: فهلّا جلدوا أنفسهم؟ لأنّه ليس منهم إلّا ومعه آلة الزّنى! وكان يجب على هذا المثال أن يحكم بمثل ذلك على حامل السّيف والسّكّين والسّمّ القاتل، في نظائر ذلك؛ لأنّ هذه كلّها آلات القتل.
وبعد، فأهل المدينة لم يخرجوا من طبائع الإنس إلى طبع الملائكة.
ولو كان كلّ ما يقولونه حقّا وصوابا لجلدوا من كان في دار معبد، والغريض، وابن سريج، ودحمان وابن محرز وعلّويه وابن جامع، ومخارق، وشريك،