سائر المباح.
والدّليل على تجويز ذلك أنّ الله تعالى ما حرّم على الناس شيئا من الأشياء في القديم والحديث إلّا (أطلق لهم من جنسه، وأباح من سنخه ونظيره وشبهه، ما يعمل مثل عمله أو قريبا منه، ليغنيهم بالحلال عن الحرام. أعني ما حرّم بالسّمع دون المحرّم بالعقل. قد حرّم من الدم المسفوح، وأباح غير المسفوح، كجامد دم الطّحال والكبد وما أشبههما، وحرّم الميتة وأباح الذكيّة. وأباح أيضا ميتة البحر وغير البحر، كالجراد وشبهه، وحرّم الرّبا وأباح البيع، وحرّم بيع ما ليس عندك وأباح السّلم، وحرّم الضّيم وأباح الصّلح، وحرّم السّفاح وأباح النّكاح. وحرّم الخنزير وأباح الجدي الرّضيع، والخروف والحوار.
والحلال في كلّ ذلك أعظم موقعا من الحرام.
فصل منه: ولعلّ قائلا يقول: وأهل مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم وسكان حرمه ودار هجرته، أبصر بالحلال والحرام، والمسكر والخمر، وما أباح الرّسول وما حظره، وكيف لا يكون كذلك والدّين ومعالمه من عندهم خرج إلى النّاس؛ والوحي عليهم نزل، والنبي صلى الله عليه وسلم فيهم دفن. وهم المهاجرون السّابقون، والأنصار المؤثرون على أنفسهم. وكلّهم مجمع على تحريم الأنبذة المسكرة، وأنّها كالخمر.
وخلفهم على منهاج سلفهم إلى هذه الغاية، حتّى إنّهم جلدوا على