وعندي- مدّ الله في عمرك- كتب سوى هذا الكتاب، وليس يمنعني من أن أهديها إليك معا إلّا ما أعرفه من كثرة شغلك، وكثرة ما يلزمك من التّدبير في ليلك ونهارك. والعلم وإن كان حياة العقل، كما أنّ العقل حياة الروح، والرّوح حياة البدن، فإنّ حكمه حكم الماء وجميع الغذاء، الذي إذا فضل عن مقدار الحاجة عاد ذلك ضررا. وإنّما يسوغ الشّراب ويستمرأ الطّعام الأوّل فالأوّل. فكذلك العلم يجري مجراه، ويذهب مذهبه.
ومن شأن النّفوس الملالة لما طال عليها، وكثر عندها. فليس لنا أن نكون من الأعوان على ذلك، ومن الجاهلين بما عليه طبائع البشر؛ فإنّ أقواهم ضعيف، وأنشطهم سؤوم؛ وإن كانت حالاتهم متفاوتة فإنّ الضّعف لهم شامل، وعليهم غالب.
فإذا قرىء عليك- أيّدك الله- هذا الكتاب التمسنا أوقات الجمام وساعات الفراغ، بقدر ما يمكن من ذلك ويتهيّأ. والله الموفّق لذلك، والمهيّىء له.
ثمّ أتبعنا كلّ كتاب بما يليه إن شاء الله.
وليست بحمد الله من باب الطّفرة والمداخلة، ولا من باب الجوهر والعرض، بل كلّها في الكتاب والسّنّة، وبجميع الأمّة إليها أعظم الحاجة.
ثم نسأل الذي عرّفنا فضلك، أن يصل حبلنا بحبلك، وأن يجعلنا من صالحي أعوانك، المستمعين منك، والناظرين معك؛ وأن يحسّن في عينك ويزيّن في سمعك، ما تقرّبنا به إليك، والتمسنا الدنوّ منك، إنّه قريب مجيب، فعال لما يريد.
أطال الله بقاءك، وأتمّ نعمته عليك، وكرامته لك في الدّنيا والآخرة.