الكلام والمزاوجة وما أشبه السّجع، وأري أنّه ليس في موضعه
فصل منه: وهذا الكلام لا يزال ينجم من حشوة أتباع السّلطان. فأمّا عليتهم ومصاصهم، وذوو البصائر والتمييز منهم، ومن فتقته الفطنة، وأرهفه التأديب، وأرهقه طول الفكر وجرى فيه الحياء وأحكمته التجارب، فعرف العواقب وأحكم التفصيل وتبطّن غوامض التحصيل، فإنهم يعترفون بفضيلة التّجّار ويتمنّون حالهم، ويحكمون لهم بالسّلامة في الدّين، وطيب الطّعمة، ويعلمون أنّهم أودع النّاس بدنا وأهنؤهم عيشا، وآمنهم سربا، لأنهم في أفنيتهم كالملوك على أسرّتهم، يرغب إليهم أهل الحاجات، وينزع إليهم ملتمسو البياعات، لا تلحقهم الذّلّة في مكاسبهم، ولا يستعبدهم الضّرع لمعاملاتهم.
وليس هكذا من لابس السّلطان بنفسه، وقاربه بخدمته؛ فإنّ أولئك لباسهم الذّلّة، وشعارهم الملق، وقلوبهم ممّن هم لهم خول مملوءة، قد لبسها الرّعب، وألفها الذّلّ، وصاحبها ترقّب الاحتياج؛ فهم مع هذا في تكدير وتنغيص، خوفا من سطوة الرّئيس وتنكيل الصاحب، وتغيير الدّول، واعتراض حلول المحن. فإن هي حلّت بهم، وكثيرا ما تحلّ، فناهيك بهم مرحومين يرقّ لهم الأعداء فضلا عن الأولياء.
فكيف لا يميّز بين من هذا ثمرة اختياره وغاية تحصيله، وبين من قد نال الرّفاهية والدّعة، وسلم من البوائق، مع كثرة الإثراء وقضاء اللّذّات، من غير منّة لأحد، ولا منّة يعتدّ بها رئيس ومن هو من نعم المفضلين خليّ، وبين