بالتّجارات. فهذا هو السبب.

فانظر كم بين علّتهم وعلّة غيرهم! فيسرّك بعد هذا أن يتحوّل ابنك في مسلاخ صالح الزّرازريشي، أو في طباع ابن بادام، أو في عقل ابن سامري.

فإن زعموا أنّ أصحاب السلطان بعرض مكروه فليعلموا أنّ كلّ مسافر فبعرض مكروه، وقد قال بعض الحكماء: «المسافر ومتاعه على قلت إلا من حفظ الله» ، يعني على هلاك.

وراكب البحر أشدّ خطرا، ومشتري طعام الأهواز أشدّ تهوّرا، ورافع الشّراع بعرض هلكة. والمتعرّض للملاحة والمعرّض نفسه للسّباع أقلّ شفقة.

وسكان الجزائر والسواحل أحقّ بالتعرّض، وأولى بالخوف. والمنهوم بالطعام الرديّ، والمدمن للشّراب أشبه بأصحاب التغرير، والمتباري في ذلك والمتزيّد منه أحقّ بتوقّع الحدثان وحوادث الأزمان، قد جرت عليه عادة الدهر وسيرة الأيام. وهذا كلّه أحقّ بالاهتمام.

وإن كنت إلى الإشفاق تذهب، وإلى إعطاء الحزم أكثر من نصيبه، وكيف دار الأمر فإنّ التاجر قد استشعر الذّلّ، وتغشّى ثوب المذلّة.

وصاحب السلطان قد تجاوز حدّ العزّ والهيبة. وإنما عيبه سكر السّلطان، وإفراط التعظيم. قد استبطن بالعزّ، وظاهر (بالبشر واستحكمت تجربته، وبعدت بصيرته حتّى عرف مصلحة كلّ مصر، وإصلاح كلّ فاسد، وإقامة كلّ معوجّ، وعمارة كلّ خرب.

ولا أعلم في الأرض أعمّ إفلاسا ولا أشدّ نكبة، ولا أكثر تحوّلا من يسر إلى عسر، ولا رأينا الجوائح إلى أحد أهدى منها إلى أموال الصّيارفة. فكيف يقاس شأن قوم تعمّهم المعاطب بشأن قوم أهل السّلامة فيهم أكثر، والنّكبات فيهم أقلّ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015