ان اللسان ترجمان القلب، والقلب خزانة تحفظ الاسرار والخواطر والعلم. والقلب يضيق بما فيه ويستثقله ويستريح الى نبذه واذاعته بواسطة اللسان. وهذا هو السبب في طبع الناس على حب الاخبار والاستخبار، واهتمامهم بالتاريخ واحداثه وتدوينه. وقد سيطرت هذه الغريزة عليهم حتى عسر عليهم الكتمان وغدا من يكتم سره عرضة للسقم والكمد والكرب.
ويروي الجاحظ اخبارا مدهشة في ذلك. فان احد الفقهاء اطلع على اسرار لا يحتملها العامة ضاق صدره بها فذهب الى العراء وحفر حفرة اودعها دنا وراح يختلف على هذا الدن يحدثه بما سمع فيروح عن قلبه. وكان الاعمش، سليمان بن مهران (188 هـ-) عندما يضيق صدره بما فيه مما لا يريد ان يذيعه بين الناس، يقبل على شاته فيحدثها بالاخبار والفقه.
ويتحدث الجاحظ على مساوىء افشاء الاسرار، فيقول ان صاحب السر يبقى مالكا له حتى يذيعه أو يفلت منه الى اذن واحدة، فسرعان ما يشيع ويدفع الى اذن ثانية فثالثة. وعندئذ يصبح صاحب السر عبدا لمن ائتمنه على سره ورهينة بين يديه.
واذا اساء من اؤتمن على السر حفظ الامانة، ونشره او حرفه ارث الشحناء بين الاقرباء والاصدقاء، والصراع بين الاعداء، وقد يؤدي الى سفك الدماء وازالة النعم والتفرقة.
ويدعو الجاحظ الى سوء الظن بجميع الناس حتى الاهل والعبيد والحاشية والاولاد والعمال. فهؤلاء اكثر الناس اذاعة للاسرار. وعمال الخليفة خاصة يفشون اسراره المشينة. والنمامون مولعون باذاعة الاسرار التي تنتشر على السنتهم انتشار النور في الظلمة.
ومما يدفع الى افشاء السر التحذير من نشره. فاذا اودعنا احدهم سرا