إن من الواضح للمتعلم فضلا عن العالم أنه بلغ عن عدم معرفته بالحديث النبوي الشريف وعدم تمييز صحيحه من سقيمه وبلغ عن تمكن شبه بعض كتاب القرن الرابع عشر العقلية من فكره بحيث قدمها على النقل وبلغ عن شذوذه وسلوكه مسلكا مخالفا لمسلك أهل السنة والجماعة، وسواء كان صدور ذلك منه عن جهل أو علم هو بلية ومصيبة.
إذا كنت لا تدري فتلك مصيبة ... وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم
35- قال الشيخ ابن محمود في ص 34: "إن العلماء كأبي داود في سننه وابن كثير في نهايته والسفاريني في لوامع أنواره وغيرهم قد أدخلوا أحاديث المهدي في جملة أشراط الساعة مع أحاديث الدجال والدابة ويأجوج ومأجوج وأحاديث الفتن، فكل هذه لا يتعرض لها نقاد الحديث بتصحيح ولا تمحيص لعلمهم أنها أحاديث مبنية على التساهل ويدخل فيها الكذب والزيادات والمدرجات والتحريفات وليست بالشيء الواقع في زمانهم ولا من أحاديث أحكامهم وأمور حلالهم وحرامهم".
ثم ذكر أنه: "في القرن التاسع لما كثر المدعون للمهدي وثارت الفتن بسببه اضطر بعض المحققين من العلماء أن ينقدوا أحاديث المهدي ليعرفوا قويها من ضعيفها وصحيحها من سقيمها فتصدى ابن خلدون في مقدمته لتدقيق التحقيق فيها فنخلها ثم نثرها حديثا حديثا وبين عللها كلها وأن من رواتها الكذوب ومنهم المتهم بالتشيع والغلو ومنهم من يرفع الحديث إلى الرسول بدون أن يتكلم به الرسول ومنهم من لا يحتج به وخلاصته أنه حكم على أحاديث المهدي بالضعف".
وتعليقي على كلام ابن محمود هذا أقول:
ما ذكره من أن أحاديث المهدي وغيرها من أحاديث أشراط الساعة لا يتعرض لها نقاد الحديث بتصحيح ولا تمحيص، وأنه في القرن التاسع لما كثر المدعون للمهدي اضطر بعض المحققين من العلماء أن ينقدوا أحاديث المهدي ليعرفوا قويها من ضعيفها وصحيحها من سقيمها فتصدى ابن خلدون في مقدمته لتدقيق التحقيق فيها وأنه حكم عليها بالضعف أقول هذا الذي ذكره الشيخ ابن محمود مردود بأن العلماء في مختلف العصور قبل القرن التاسع تكلموا في أحاديث المهدي وبينوا أن فيها الصحيح والحسن والضعيف والموضوع واحتجوا بالثابت منها، واعتقدوا موجبه وهم أهل الاختصاص الذين يعول على قولهم في هذا الشأن يعرف كلامهم في ذلك تصحيحا وتضعيفا من يطالع الكتب التي صنفوها ويقف على الجهود العظيمة التي بذلوها في خدمة السنة وتمييز صحيحها من ضعيفها ومن النقاد الذين تعرضوا لأحاديث المهدي الحافظ أبو جعفر العقيلي المتوفى سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة فقد قال الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب في ترجمة علي بن نفيل النهدي: "قلت ذكره العقيلي في كتابه وقال: لا يتابع على حديثه في المهدي ولا يعرف إلا به قال وفي المهدي أحاديث جياد من غير هذا الوجه"، ومنهم ابن حبان المتوفى سنة (354 هـ) فقد قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري في شرح حديث أنس بن مالك رضي الله عنه الذي أخرجه البخاري في صحيحه: "لا يأتي عليكم زمان إلا والذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم "، قال: "واستدل ابن حبان في صحيحه -بأن حديث أنس ليس على عمومه - بالأحاديث الواردة في المهدي وأنه يملأ