المثال الثاني: قال الشيخ ابن محمود في ص 49:
"روى أبو داود عن هارون بن المغيرة حدثنا ابن أبي قيس عن شعيب بن خالد عن أبي إسحاق قال: "نظر علي إلى ابنه فقال: "إن ابني هذا سيد كما سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيخرج من صلبه رجل يسمى باسم نبيكم يشبهه في الخلق ولا يشبهه في الخلق ثم ذكر قصة - يملأ الأرض عدلا" - وهذا يعد من كلام علي رضي الله عنه وليس بحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسقط الاحتجاج به، ومن المحتمل أن يكون مكذوبا على علي به". هذه هي الصيغة التي أوردها الشيخ ابن محمود في نقله الحديث من سنن أبي داود وهذا هو ما بنى عليه الشيخ ابن محمود تضعيف الحديث، أما الصيغة في سنن أبي داود فهي عن أبي إسحاق قال: "قال علي رضي الله عنه ونظر إلى ابنه الحسن فقال: "إن ابني هذا سيد كما سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث"، وأما الحديث فهو بهذا الإسناد ضعيف وليس السبب في ضعفه ما قاله الشيخ ابن محمود من أنه يعد من كلام علي رضي الله عنه، وليس بحديث فسقط الاحتجاج به لأن القول الذي يقوله الصحابي ينقسم إلى قسمين..ما للرأي فيه مجال، وما ليس له فيه مجال، فالذي للرأي فيه مجال يكون من قول الصحابي ولا يعد حديثا..أما الذي لا مجال للرأي فيه مثل هذا الحديث، فإنه يعد حديثا وله حكم الرفع وهو الذي يطلق عليه المحدثون المرفوع حكما لا تصريحا..وقد أوضح ذلك الحافظ ابن حجر في كتابه شرح نخبة الفكر فقال: "ومثال المرفوع من القول حكما لا تصريحا أن يقول الصحابي الذي لم يأخذ عن الإسرائيليات ما لا مجال للاجتهاد فيه ولا له تعلق ببيان لغة أو شرح غريب كالأخبار عن الأمور الماضية من بدء الخلق وأخبار الأنبياء أو الآتية كالملاحم والفتن وأحوال يوم القيامة، وكذا الأخبار عما يحصل بفعله ثواب مخصوص أو عقاب مخصوص، وإنما كان له حكم المرفوع لأن إخباره بذلك يقتضي موقفاً للقائل به، ولا موقف للصحابة إلا النبي صلى الله عليه وسلم، أو بعض من يخبر عن الكتب القديمة، فلهذا وقع الاحتراز عن القسم الثاني وإذا كان كذلك فله حكم ما لو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو مرفوع سواء كان ممن سمعه منه أو عنه بواسطة"، انتهى كلام ابن حجر، وقال الشوكاني في كتابه التوضيح في تواتر ما جاء في المهدي والدجال والمسيح: بعد أن ذكر الأحاديث المرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأنها بلغت حد التواتر قال: "وأما الآثار عن الصحابة المصرحة بالمهدي فهي كثيرة جدا لها حكم الرفع إذ لا مجال للاجتهاد في مثل ذلك" انتهى.
وبهذا يتضح أن كلام الشيخ ابن محمود في تضعيف هذا الحديث ليس من التحقيق المعتبر والتحقيق المعتبر هو ما قاله المحدثون في إسناده وهو أن فيه انقطاعا في أعلاه وفي أسفله، أما الانقطاع الذي في أعلاه، فأبو إسحاق السبيعي قيل إنه لم يسمع من علي رضي الله عنه وإنما رآه رؤية وذلك أنه ولد لسنتين بقيا من خلافة عثمان رضي الله عنه، والانقطاع الذي في أسفله هو أن أبا داود لم يسم شيخه فيه وإنما قال: "حدثت عن هارون ابن المغيرة" وقد قال المنذري في اختصار سنن أبي داود عقب هذا الحديث: "هذا منقطع أبو إسحاق السبيعي رأى عليا رضي الله عنه رؤية"، وقال فيه أبو داود: "حدثت عن هارون ابن المغيرة".
مثال الثالث: قال الشيخ ابن محمود في ص 49:
"روى أبو داود في سننه من حديث سفيان الثوري بسنده عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث فيه رجلا من أمتي أو من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي، يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما" ورواه أحمد والترمذي وقال: "حسن صحيح.."
والجواب: أن علماء الحديث قد تحاشوا عن كثير من أحاديث أهل البيت كهذه الأحاديث وأمثالها، لكون الغلاة قد أكثروا من الأحاديث المكذوبة عليهم وفي صحيح البخاري عن أبي جحيفة قلت لعلي رضي الله عنه: "هل خصكم رسول الله بشيء؟ " فقال: "لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إلا فهما يعطيه الله رجلا وما في هذه الصحيفة" قلت: "وما في هذه الصحيفة" قال: "العقل وفكاك الأسير، وأن لا يقتل مسلم بكافر" وفي رواية: "والمؤمنون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم" ولم يذكر شيئا من هذه الأحاديث التي هي من عالم الغيب ولهذا تحاشى البخاري ومسلم عن إدخال شيء من أحاديث المهدي في صحيحيهما لكون الغالب عليها الضعف والوضع،