أيديهم" وقال في ج 3/243: "واستغل هؤلاء القادة المهرة أفكار الجمهور الساذجة المتحمسة للدين والدعوة الإسلامية فأتوهم من هذه الناحية الطاهرة ووضعوا الأحاديث يروونها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك وأحكموا أسانيدها وأذاعوها من طرق مختلفة فصدقها الجمهور الطيب لبساطته وسكت رجال الشيعة لأنها في مصلحتهم" وقال في ص 243. أيضا: "حديث المهدي هذا حديث خرافة وقد ترتب عليه نتائج خطيرة في حياة المسلمين" وقال في ص 244: "فامتلأت عقول الناس بأحاديث تروى وقصص تقص ونشأ باب كبير في كتب المسلمين اسمه الملاحم فيه أخبار الوقائع من كل لون فأخبار العرب والروم وأخبار في قتال الترك" إلى أن قال:
"وجعلت هذه الأشياء كلها أحاديث بعضها نسبوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وبعضها إلى أئمة أهل البيت وبعضها إلى كعب الأحبار ووهب بن منبه وهكذا وكان لكل ذلك أثر سيئ في تضليل عقول الناس وخضوعهم للأوهام كما كان من أثر ذلك الثورات المتتالية في تاريخ المسلمين ففي كل عصر يخرج داع أو دعاة كلهم يزعم أنه المهدي المنتظر ويلتف حوله طائفة من الناس" إلى أن قال: "وهذا كله من جراء نظرية خرافية هي نظرية المهدية وهي نظرية لا تتفق وسنة الله في خلقه ولا تتفق والعقل الصحيح" انتهى.
بعد نقل كلام الشيخ ابن محمود هذا ونقل كلام قدوته في ذلك الأستاذ أحمد أمين يتضح للقارئ أن التابع نقل الكلام المتبوع بنصه ونسبه إلى نفسه دون نسبته إلى قائله وإن كان مثل هذا الكلام يعتبر في الحقيقة منقصة ينسب إليه ثم أن الشيخ ابن محمود يعيب جمهور الأمة سلفا وخلفا أنهم يقلد بعضهم بعضا والمقلد لا يعد من أهل العلم كما في ص 5 و 8 من رسالته وفي نفس الوقت يرضى لنفسه أن يقلد مثل أحمد أمين ومحمد فريد وجدي ممن هم أجانب عن علم الحديث الشريف، فإذا كان من يقلد أهل الاختصاص مثل الترمذي والعقيلي والذهبي وابن تيمية وابن القيم وابن حجر العسقلاني وغيرهم لا يعد من أهل العلم فبم يوصف من يكون قدوته من هو أجنبي عن العلم الشرعي مثل محمد فريد وجدي وأحمد أمين؟
ومن جعل الغراب له دليلا ... يمر به على جيف الكلاب
ثم إني أناقش هذا الكلام الذي اشترك في حمل وزره الأستاذ أحمد أمين والشيخ ابن محمد فأقول:
أولا: ما قاله التابع والمتبوع من أن فكرة المهدي نبعت من عقائد الشيعة وكانوا هم البادئين باختراعها وأنهم استغلوا أفكار الجمهور الساذجة وتحمسهم للدين والدعوة الإسلامية فأتوهم من هذه الناحية الطيبة الطاهرة ووضعوا الأحاديث يروونها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك واحكموا أسانيدها وأذاعوها عن طرق مختلفة وصدقها الجمهور الطيب لبساطته هذان القول الذي قالاه يشتمل على تنقص سلف هذه الأمة أوعية السنة ونقلة الآثار والنيل منهم ووصف أفكارهم بالسذاجة وأنهم يصدقون بالموضوعات لبساطتهم ولا شك أنه كلام في غاية الخطورة لأن القدح بالناقل قدح - بالمنقول وهو سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وفي مقابل هذا الكلام الذي هو من أسوأ الكلام أنقل فيما يلي كلاما لأبي بكر الخطيب البغدادي رحمه الله في أهل الحديث هو من أحسن الكلام قال رحمه الله في كتابه شرف أصحاب الحديث:
"وقد جعل الله تعالى أهله - يعني الحديث - أركان الشريعة وهدم بهم كل بدعة شنيعة فهم أمناء الله من خليقته والواسطة بين النبي صلى الله عليه وسلم وأمته والمجتهدون في حفظ ملته أنوارهم زاهرة، وفضائلهم سائرة وآياتهم باهرة، ومذاهبهم ظاهرة، وحججهم قاهرة، وكل فئة تتحيز إلى هوى ترجع إليه أو تستحسن رأيا تعكف عليه سوى أصحاب الحديث فإن الكتاب عدتهم والسنة حجتهم والرسول قدوتهم وإليه نسبتهم، لا يعرجون على الأهواء ولا يلتفتون إلى الآراء، يقبل منهم ما رووا عن الرسول وهم المأمونون عليه والعدول حفظة الدين وخزنته وأوعية العلم وحملته. إذا اختلف في حديث كان إليهم الرجوع فما حكموا به فهو المقبول المسموع منهم كل عالم فقيه، وإمام رفيع نبيه، وزاهد في قبيلة، ومخصوص بفضيلة، وقارئ متقن، وخطيب مسحن، وهم الجمهور العظيم، وسبيهم- السبيل المستقيم، وكل مبتدع باعتقادهم يتظاهر، وعلى الإفصاح بغير مذاهبهم لا يتجاسر. من كادهم قصمه الله ومن عاندهم خذله الله، لا يضرهم من خذلهم ولا يفلح من اعتزلهم"، المحتاط لدينه إلى إرشادهم