حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} إلى غير ذلك من الآيات فإن الذين تروج عليهم دعوة الدجال في آخر أزمان فيتبعون لعمى بصائرهم مع أنه مكتوب على وجهه كافر يقرأها الكاتب والأمي هم من جنس الذين عميت بصائرهم في عصرنا فلما يحكموا شريعة الإسلام مع قراءتهم القرآن وفيه مثل هذه الآيات وسماعهم لها في الإذاعات ما أشبه الليلة بالبارحة والله المستعان.
قوله لماذا لم يذكر في القرآن عن هذا المسيح الدجال شيئا مع خطورة أمره وعظم فتنته كما تدل عليه الأحاديث الموضوعة فهل يعقل أن القرآن يذكر ظهور دابة الأرض ولا يذكر ظهور ذلك الدجال الذي معه جنة ونار يفتتن به الناس.
والجواب عن هذه الشبهة أن الله تعالى قال في كتابه العزيز: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} وقال صلى الله عليه وسلم: "ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه" يعني السنة، والسنة والقرآن متلازمان لا يفترقان ومن لم يؤمن بالسنة لم يؤمن بالقرآن ومن زعم فصل السنة عن القرآن يقال له أين وجدت في القرآن أعداد الصلوات وأعداد ركعاتها وكيفيتها وغير ذلك مما لا يعرف توضيحه وبيانه إلا في السنة التي هي شقيقة القرآن والموضحة والمبينة له، ولم تعدم السنة منذ أزمان أعداء لها هم في الحقيقة أعداء للقرآن يشككون فيها ويحاولون فصلها عن القرآن وقد هيأ الله من العلماء من يذب عنها ويدحض شبه أعدائها ومنهم الحافظ السيوطي فقد ألف رسالة لطيفة سماها مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة افتتحها بعد حمد الله بقوله: "اعلموا يرحمكم الله أن من العلم كهيئة الدواء ومن الآراء كهيئة الخلاء لا تذكر إلا عند داعية الضرورة وإن مما فاح ريحه في الزمان وكان دارسا بحمد الله منذ زمان وهو أن قائلا رافضيا زنديقا أكثر في كلامه أن السنة النبوية والأحاديث المروية- زادها الله علوا وشرفا- لا يحتج بها وأن الحجة في القرآن خاصة" إلى أن قال: "فاعلموا رحمكم الله أن من أنكر كون حديث النبي صلى الله عليه وسلم قولا كان أو فعلا بشرطه المعروف في الأصول حجة كفر وخرج عن دائرة الإسلام وحشر مع اليهود والنصارى أو مع من شاء الله من فرق الكفرة روى الإمام الشافعي رضي الله عنه يوما حديثا وقال إنه صحيح فقال له قائل: "أتقول به يا أبا عبد الله" فاضطرب وقال: "يا هذا أرأيتني نصرانيا؟ أرأيتني خارجا من كنيسة أرأيت في وسطي زنارا؟ أروي حديثا عن رسول الله ولا أقول به".
ورسالة السيوطي هذه رسالة عظيمة مفيدة.
قوله إن كون هذه الأحاديث موضوعة يعرف بالحسي من الحديث الطويل الذي نسب إلى النواس بن سمعان ورفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو الحديث الذي ينبئ أن الدجال يخرج من خلة بين الشام والعراق ويعمل الأعاجيب ثم يدركه عيسى فيقتله ثم يؤمر عيسى بأن يعتصم بالطور هربا من قوم لا قدرة عليهم وهم يأجوج ومأجوج- إلى أن قال- فيقولون: لقد قتلنا من في الأرض فلنقتل من في السماء فيرمون بنشابهم إلى السماء فيرد الله عليهم نشابهم مخضوبة دما- إلى أن قال- أن تنظر إلى تركيب هذه القصة نظر منتقد لا يخطر ببالك شك في أنها موضوعة وقد وضعها واضع لا يفرق بين الممكن والمستحيل وبين سنن الله وما تولده الخيالات من الأباطيل ولكن الدليل الحسي على بطلان هذا الحديث أن واضعه لقصر نظره خيل له أن أسلحة الناس لن تزال القسي والسهام والنشاب والجعاب حتى تقوم الساعة ولم يدرك أنه لن يمر على وضع هذا الحديث نحو سبعة قرون حتى يوجد البارود والبندق ولم تمر ستة قرون أخرى حتى لم يكن للقوس والنشاب ذكر وقام مقامه مدافع الماكسيم وقنابل اليد والشرنبيل والأدخنة السامة والغازات الملتهبة والديناميت الذي يتساقط من الطائرات الخ..
وحديث النواس بن سمعان الذي زعم أنه موضوع أخرجه الإمام مسلم في صحيحه وهو واحد من أحاديث