وهو العالم المحقق المشهود له بصحيح الرؤية وصريح الدراية وأقول: "نعم وإنني رأيت لشيخ الإسلام قولا يثبت فيه بأنه ورد في المهدي سبعة أحاديث رواها أبوداود وكنت في بداية نشأتي أعتقد اعتقاد شيخ الإسلام حيث تأثرت بقوله حتى بلغت سن الأربعين من العمر وبعد أن توسعت في العلوم والفنون ومعرفة أحاديث المهدي وعللها وتعارضها واختلافها فبعد ذلك زال عني الاعتقاد السيئ والحمد لله، وعرفت تمام المعرفة بأنه لا مهدي بعد رسول الله وبعد كتاب الله" وقال: "وقد شبهوا زلة العالم بغرق السفينة يغرق بغرقها الخلق الكثير وكم غرق في كلمة شيخ الإسلام هذه كثير من العلماء والعوام حين اعتقدوا صحة خروج المهدي فكان من لقيته من العلماء والعوام يحتج بكلام شيخ الإسلام" رحمه الله ثم قال معتذرا عن شيخ الإسلام: "ولعل هذا القول خرج منه في بداية عمره قبل توسعه في العلوم والفنون وهو مجتهد مأجور على اجتهاده إذ يقول العالم المحقق قولا ضعيفا مرجوحا فلا يكون المقلد لقوله والمنتصر لرأيه بمثابته في حصول الأجر.. وحط الوزر بل فرضه الاجتهاد والنظر فكم من عالم كان يقول أقوالا في بداية عمره ثم يتبين له ضعفها فيقول بخلافها"،
أقول الجواب عن ذلك من وجوه:
الأول: لا شك أن ما كان عليه الشيخ عبد الله بن محمود في ذلك قبل بلوغه سن الأربعين خير مما كان عليه بعد الأربعين لأنه بذلك على مسلك العلماء المحدثين قبل شيخ الإسلام ابن تيمية وبعده ويا ليته وفقه الله لم يشر إلى أنه توسع في العلوم والفنون لأن التواضع هو الأليق بطلاب العلم.
الثاني: واعتذاره عن شيخ الإسلام ابن تيمية مدفوع بكون شيخ الإسلام قال بصحة خروج المهدي في آخر الزمان في كتابه منهاج السنة النبوية الذي يعتبر من أجل كتبه وأغزرها علما وأكثرها تحقيقا فلا يصلح أن يقال: لعل هذا القول خرج منه في بداية عمره قبل توسعه في العلوم والفنون هذا من جهة ومن جهة أخرى ليس شيخ الإسلام ابن تيمية أول القائلين بصحة خروج المهدي في آخر الزمان فقد سبقه إلى ذلك العلماء المحققون مثل البيهقي والخطابي وابن حبان والعقلي وأبي الحسين الابري والقاضي عياض والقرطبي وغيرهم.
الثالث: ما أشار إليه هنا وفي ص 71 من أن قول شخ الإسلام بصحة خروج المهدي خرج بمقتضى اجتهاد منه مردود بأن مثل ذلك لا مجال للاجتهاد فيه لأنه من الأمور الغيبية التي يتوقف القول بها على ثبوت النص فيها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعرفة ثبوت النصوص والتمييز بين مقبولها ومردودها وصحيحها وسقيمها لا يتأتى إلا لأهل الخبرة والتمكن في علم الحديث مثل البيهقي والعقلي والذهبي وابن تيمية وابن القيم وغيرهم، وقد قال الشوكاني بعد أن أشار إلى كثرة الأحاديث الواردة في صحة خروج المهدي آخر الزمان وبلوغها حد التواتر قال: "وأما الآثار عن الصحابة المصرحة بالمهدي فهي كثيرة جدا لها حكم الرفع إذ لا مجال للاجتهاد في مثل ذلك" انتهى.
10 - ذكر الشيخ ابن محمود في ص 19 و 24 أن ابن خلدون تصدى في مقدمته لتدقيق التحقيق فيها- يعني أحاديث المهدي- وحكم عليها بالضعف.
والجواب أولا أن ابن خلدون اعترف بسلامة بعضها من النقد حيث قال بعد إيراد الأحاديث في المهدي: "فهذه جملة الأحاديث التي خرجها الأئمة في شأن المهدي وخروجه آخر الزمان وهي كما رأيت لم يخلص منها من النقد إلا القليل والأقل منه.." انتهى. على أن ابن خلدون فاته الشيء الكثير من الأحاديث.
وثانيا: أن ابن خلدون مؤرخ وليس من رجال الحديث فلا يعتد به في التصحيح والتضعيف وإنما الاعتداد بذلك بمثل البيهقي والعقيلي والخطابي والذهبي وابن تيمية وابن القيم وغيرهم من أهل الرواية والدراية الذين قالوا بصحة الكثير من أحاديث المهدي فالذي يرجع في ذلك إلى ابن خلدون كالذي يقصد الساقية ويترك البحور الزاخرة وعمل ابن خلدون في نقد الأحاديث أشبه ما يكون بعمل المتطبب إذا خالف الأطباء الحذاق المهرة..