يقرروا ذلك قالوا التجربة والقياس مطابقان على أن للنفس الإنسانية أن تنال من الغيب نيلا ما وقرروا ذلك بأن معرفة المغيبات في النوم ممكنة فوجب أن يكون أيضا في اليقظة ممكنا والمقدمة الأولى معلومة بالتجربة والتواتر وأما الثانية فهو أنه لما صح ذلك في النوم لم يمكن القطع باستحالته في اليقظة بل لو قدرنا أن الناس ما جربوا وقوع ذلك في النوم لكان استبعادهم بحصول هذا حال النوم اشد من استبعادهم لحصوله حال اليقظة فانه لو قيل لواحد أن جمعا من الأذكياء مع كمال عقولهم وسلامة حواسهم وذكاء قرائحهم وقوة أفكارهم وأنظارهم احتالوا بكل حيلة لتحصيل معرفة بعض المغيبات فعجزوا ثم أن واحدا منهم لما صار كالميت وبطلت حركته وإدراكه عرف ذلك المغيب لقيل بأن ذلك محال ولا حتجوا عليه بأنه لما عجز عنه القوى الكامل فالضعيف الناقص أولى بالعجز عنه ولكن وقوع هذا المعنى مرارا كثيرة حال النوم مما أزال الاستبعاد والعناد فثبت أن حصول معرفة المغيبات لما كان ممكنا حال النوم فبأن يكون ممكنا حال اليقظة أولى قالوا ونحن لا نستدل بصحة إحدى الحالين على القطع بالحال الأخرى ولكن على دفع استبعاد المنكر وحصول الرأي الأخلق الأولى.

قلت فهذه المقدمة التي بنوا عليها معرفة الغيب للأنبياء وغيرهم ومعلوم أن النائم تتجرد نفسه عن بدنه نوع تجرد فان النوم أخو الموت وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول إذا أوى إلى فراشه: "اللهم أنت خلقت نفسي وأنت تتوفاها لك مماتها ومحياها أن أمسكتها فارحمها وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين ويقول أيضا باسمك ربي وضعت جنبي وباسمك ارفعه أن أمسكت نفسي فاغفر لها وارحمها وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين"

طور بواسطة نورين ميديا © 2015