إنه مبنى على أصول فاسدة كثيرة:
الأول: أنه لا سبب للحوادث إلا الحركة الفلكية وهذا من أبطل الأصول.
الثاني: إثبات العقول والنفوس التي يثبتونها وهو باطل.
هل منبع الفيض هو النفس الفلكية أو العقل الفعال:
الثالث: إثبات كون الفيض يحصل من النفس الفلكية فإنهم لو سلم لهم ما يذكرونه من أصولهم فعندهم ما يفيض على النفوس إنما هو من العقل الفعال المدبر لكل ما تحت فلك القمر ومنه تفيض العلوم عندهم على نفوس البشر الأنبياء وغيرهم والعقل الفعال لا يتمثل فيه شيء من الجزئيات المتغيرة بل إنما فيه أمر كلى لكنه بزعمهم دائم الفيض فإذا استعدت النفس لأن يفيض عليها منه شيء فاض وذلك الفيض لا يكون بجزئي فانه لا جزئي فيه فكيف يقولون هنا أن الفيض على النفوس هو من النفس الفلكية.
فان قيل هم يقولون أن الجزئيات معلومة للعقول على وجه كلى وللنفوس الفلكية على وجه جزئي قيل العلم بالكلى وهو القدر المشترك بين الجزئيات لا يفيد العلم بشيء من الجزئيات البتة فان علم الإنسان بمسمى الوجود أو بمسمى الجسم أو بمسمى الحيوان أو الإنسان أو البياض أو السواد لا يفيده العلم قط بموجود معين ولا بجسم معين ولا حيوان معين ولا إنسان معين ولا بياض معين ولا سواد معين ولو كانت الجزئيات تعلم من الكليات لكان من علم مسمى شيء قد علم كل شيء فإنها كلها جزئيات هذا المسمى.
وهذا أيضا مما يدل على فساد قول ابن سينا ومن وافقه على أن الباري يعلم الجزئيات على وجه كلى بحيث لا يعزب عن علمه مثقال ذره في السموات ولا في الأرض فان هذا تناقض بين لمن تصور حقيقة الأمر فان من لم يتصور إلا كليا ويمتنع عنده أن يتصور جزئيا معينا أما مطلقا وأما إذا كان متغيرا كان قد عزب عن علمه كل شيء في الوجود أما مطلقا وأما إذا كان متغيرا وعلمه الكلى لا