وكذلك فان كبير النفس يستصغر الجوع والعطش عند المحافظة على ماء الوجه ويستحقر هول الموت ومفاجأة العطب عند مناجزة المبارزين وربما اقتحم الواحد على عدد دهم ممتطيا ظهر الخطر لما يتوقعه من لذة الحمد ولو بعد الموت كأن تلك تصل إليه وهو ميت.

فقد بان أن اللذات الباطنة مستعلية على اللذات الحسية وليس ذلك في العاقل فقط بل وفي العجم من الحيوانات فان من كلاب الصيد ما يقنص الصيد على الجوع ثم يمسكه على صاحبه وربما حمله إليه والراضعة من الحيوانات تؤثر ما ولدته على نفسها وربما خاطرت محامية عليه أعظم من مخاطرتها في ذات حمايتها نفسها.

فإذا كانت اللذات الباطنة أعظم من الظاهرة وإن لم تكن عقلية فما قولك في العقلية.

فيقال له هذا كله حجة عليك في قولك أن استحسان الحسن واستقباح القبيح لا يدركه الإنسان لا بحسه ولا بعقله ولا بوهمه وأنت قد ذكرت أن الإنسان بل الحيوان يلتذ بالحمد والثناء ويلتذ بالغلبة ويلتذ بالإنعام والإحسان والرحمة أعظم من التذاذة بالأكل والشرب ومعلوم أن لذة الأكل والشرب مما يعلم بالحس الظاهر فهذه اللذه الباطنة يعلم بالحس الباطن وبالوهم فكيف تقول أن الحسن والوهم والعقل لا يعلم به حسن الحسن وقبح القبيح وما ذكرته من التذاذ الإنسان بالإيثار وتركه الطعام الشهي مراعاة الحشمة ونحو ذلك إنما هو لكونه يرى ذاك قبيحا وهذا جميلا ويلتذ بفعل الجميل لذة باطنة يحس بها فكيف يقال أن الحسن والقبيح لا ينال بشيء من قوى النفس وإنما يصدق به لمجرد الشهرة فقط من غير موجب حسي ولا وهمي ولا عقلي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015