والمجربات ليست أوليات وهذه المشهورات ابلغ من كثير من المجربات والعلم بها والتصديق بها في نفوس الأمم قاطبة أقوى واثبت من العلم بكثير من المجربات والمتواترات التي تواترت عند بعض الأمم دون بعض.

وبهذا الاعتبار فلم يذكروا حجة على أنها ليست من اليقينيات فان قولهم موجب الحكم بها العادات أو الاحوال النفسانية أو مصلحة النظام هذا لا ينافي كونها يقينية بل هو دليل على ذلك كما سنذكره أن شاء الله تعالى فان المجربات كلها عاديات فكونها عاديات لا ينافى كونها يقينيات وكذلك كون قوى النفس تقتضيها فان هذا يدل على الملائمة والمنافرة وهذا هو معنى الحسن والقبح فلذلك لا ينافى كونها قضايا صادقة معلومة الصدق وكذلك كون نظام العالم مربوطا بها لا ينافى كونها صادقة معلومة فليس فيما ذكروه ما ينافي العلم بها ولا يدعى كونها أولية بالمعنى الذي ذكروه كما لا يدعى ذلك في المجربات والمتواترات وذلك لا ينافى كونها من اليقينيات.

النوع الرابع: خاصة العقل والفطرة استحسان الحسن واستقباح القبيح

النوع الرابع: أن يقال قوله: "لا عمدة لها إلا الشهرة وهو أنه لو خلى الإنسان وعقله المجرد ووهمه وحسه إلى قوله لم يقض بها الإنسان طاعة لعقله أو وهمه أو حسه مثل حكمنا بأن سلب مال الإنسان قبيح وأن الكذب قبيح لا ينبغي أن يقدم عليه".

فيقال لا نسلم هذا فان هذا دعوى مجردة وقوله سلب مال الإنسان قبيح لفظ عام وقد يسلب ماله بعدل وقد يسلب بظلم والكلام فيما إذا علم الإنسان أنه سلب ماله ظلما مثل أن يعلم أن الاثنين المشتركين في المال من كل وجه استولى أحدهما على الآخر فسلبه أكثر من نصف ونحو ذلك فان عقول العقلاء قاطبة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015