من العبادات وغير العبادات فإذا رأى الرجل يدخل المسجد قرب صلاة الجمعة وعليه أهبة أهل الصلاة اعتقد أنه يدخله للصلاة لأن هذا عادة هذا النوع وكذلك إذا رأى قاعدا في محل التطهير شارعا فيما يشرع فيه المتطهر عرف أنه يتطهر ثم العاديات قد تنتقض وقد يعلم ما يفعله الفاعل من العلم بصفاته ويعلم صفاته من أفعاله لكن ذاك من باب الاستدلال النظري العقلي وهو الاستدلال بالملزوم على اللازم فليس ذاك من هذا.

كون العلوم الفلسفية من المجربات:

فعامة ما عند الفلاسفة بل وسائر العقلاء من العلوم الكلية بأحوال الموجودات هو من العلم بعادة ذلك الموجود وهو مما يسمونه الحدسيات وعامة ما عندهم من العلوم العقلية الطبيعية والعلوم الفلكية كعلم الهيئة فهو من هذا القسم من المجربات أن كان علما فان هذه لا يقوم فيها برهان على المنازع فليس عند القوم برهان على المنازع وأيضا فان كون هذه الأجسام الطبيعية جربت وكون الحركات الفلكية جربت لا يعرفه أكثر الناس إلا بالنقل والتواتر في هذا قليل وإنما الغاية أن تنتقل التجربة في ذلك عن بعض الأطباء أو بعض أهل الحساب.

وعلم الهيئة الذي هو أعظم علومهم الرياضية العقلية الذي جعله أرسطو أهله هم أئمة الفلاسفة وعلمهم اصل الفلسفة فانه منه تعرف عدد الأفلاك وحركاتها وإلا فالحس لا يرى إلا حركة الأجسام المعينة فيرى الشمس متحركة والقمر متحركا والكواكب متحركة هذا الذي يعلم بالحس وأما كون هذه مذكورة في أفلاك متحركة فهذا إنما يعلمونه من علم الهيئة والعلم بأن بعض الأفلاك فوق بعض علموه بكسوف الأعلى الأسفل فلما رأوا القمر يكسف سائرها استدلوا بذلك على أنه تحت الجميع ولما رأوا زحل لا يكسف شيئا والجميع تكسفه استدلوا بذلك على أنه فوق

طور بواسطة نورين ميديا © 2015