فإذا قال القائل: "لو كانت الأفلاك قديمة لامتنع عدمها لكن عدمها ممكن بالأدلة الدالة عليه فلا تكون قديمة" لم يجز أن يقال: "بل القديم لا يجوز عدمه لعلة مختصة بالقديم بنفسه دون ما كان معلولا لغيره" فالأفلاك وإن قيل هي قديمة فهي ممكنة العدم فان هذا باطل لما ذكرناه من أن المشترك بين الواجب بنفسه والواجب بغيره هو مستلزم لقدم المشترك بين القديم الموجود بنفسه والقديم الموجود بغيره فمن ادعى قديما موجودا بغيره وقال أنه مع هذا يمكن عدمه فقوله متناقض كما بسط في موضعه ولهذا لم يقل احد من العقلاء أنها قديمة يمكن عدمها الإمكان المعروف وإنما ادعوا أن لها ماهية باعتبار نفسها فقيل الوجود والعدم ولكن وجب لها الوجود من غيرها.
وقد تبين بطلان هذا في غير هذا الموضع وبين أن هذا قول مخالف لجميع العقلاء حتى أرسطو واتباعه لا يكون عندهم ممكنا إلا المحدث الذي يمكن وجوده وعدمه أو حتى هؤلاء الذين قالوا بأنها قديمة يمكن وجودها وعدمها كابن سينا واتباعه تناقضوا ووافقوا سلفهم وسائر العقلاء فذكروا في عدة مواضع أن الممكن الذي يقبل الوجود والعدم لا يكون إلا محدثا وان كل ما كان دائما لا يكون ممكنا وأما القديم الذي لا يمكن عدمه فليس عندهم ممكنا وان كان وجوبه بغيره.
وإنما خالف في هذا طائفة من الفلاسفة كابن سينا وأمثاله الذين أرادوا أن يجمعوا بين قول سلفهم وبين ما جاءت به الرسل مع دلالة العقول عليه فلم يمكنهم ذلك إلا بما خالفوا به الرسل مع مخالفة العقول مع مخالفة سلفهم فيما أصابوا فيه وموافقتهم فيما اخطئوا فيه وكان كفرا في الملل ومع تناقضهم ومخالفة جميع العقلاء.
وأما قولهم: "بثبوت الحكم مع المشترك في صورة مع تخلف غيره من الأوصاف المقارنة له في الأصل مما لا يوجب استقلاله بالتعليل لجواز أن يكون الحكم في تلك معللا بعلة أخرى" فيقال هذا غلط وذلك أنه متى ثبت الحكم مع المشترك في