الآخر: حرام، فقد أدى كل واحد منهما جهده وما كُلّف به، وهو في اجتهاده مصيب للحق، يقال له: أبأصل قلت هذا أم بقياس؟ فإن قال: بأصل، قيل: كيف يكون أصلا ً والكتاب أصل ينفي الخلاف؟ وإن قال: بقياس، قيل: كيف تكون الأصول تنفي الخلاف ويجوز لك أن تقيس عليها جواز الخلاف؟ هذا ما لا يُجوّزه عاقل فضلاً عن عالم.
ويقال له: أليس إذا ثبت حديثان مختلفان عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - في معنى واحد أحَلّه أحدهما وحَرّمه الآخر، وفي كتاب الله أو في سنة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - دليلٌ على إثبات أحدهما ونَفْي الآخر، أليس يَثْبُت الذي يُثْبِته الدليل ويَبْطُل الآخر ويبطل الحكم به؟ فإن خفي الدليل على أحدهما وأشكل الأمر فيهما وجب الوقوف، فإن قال: نعم ـ ولابد مِنْ نعم وإلا خالف جماعة العلماء ـ، قيل له: فلِمَ لا تصنع هذا برأي العالميْن المختلفَيْن فيثبت منهما ما يثبته الدليل ويبطل ما أبطله الدليل» (?) ا. هـ.
* ليس من الاختلاف السائغ مصادمة السنة بآراء الرجال:
قد تكون المسألة اجتهادية، وفيها جملة من الأدلة تختلف طرق الجمع بينها، وليس واحد من الأدلة قاطعاً على غيره فتكون المسألة من مسائل الخلاف السائغ، ولكن قد يكون البعض قد استبانت له فيها سنة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فلا يقول بها بل يعارضها بأقوال العلماء المجردة عن الدليل عنده، فهو يعرف السنة، ويعرف أن بعض أهل العلم خالفها، ولا يعرف وجهه ولا دليله فيعارض مَنْ خالفه بمجرد آراء العلماء، فهذا مخالف للإجماع، قال الإمام الشافعي - رحمه الله -: «أجمع العلماء على أن من استبانت له سنة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - لم يكن له أن يدعها لقول أحد من الناس».
وقد تكون المسألة اجتهادية في حق عالم لعدم علمه بالسنة فيها؛ فيجتهد، ويكون مَن تبعه على اجتهاده غير معذور إذا كان قد علم السنة واستبانت له؛ لأنه في هذه الحالة خالف الإجماع بعد مخالفته لأدلة الكتاب والسنة بوجوب اتباع رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -.