وهكذا يقال في الكاتب المفتون إن المرض الذي في قلبه من حب بدعتي المولد والمأتم وغيرهما من المحدثات وحب الاحتفال بها قد حال بينه وبين قبول النصائح والمواعظ البليغة التي يلقيها الخطباء الناصحون في الحرمين الشريفين وجعله يتهجم على الخطباء وينفر من خطبهم ويذمها. ولا يخلو في هذا من أحد أمرين إما أنه لا فرق عنده بين الخطباء الناصحين وغير الناصحين. ولا فرق عنده بين الخطب البليغة وغير البليغة. وإما المكابرة لقصد إدحاض الحق ونصر البدع التي قد افتتن بها. وهذا هو الأقرب الأحرى بالكاتب وقد قال الله تعالى: {ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئاً أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم} فلا يأمن الكاتب أن يكون له نصيب وافر مما جاء في هذه الآية الكريمة.
الوجه الرابع أن يقال: إن اعتراض الكاتب على الخطباء في قولهم في بعض الأشياء هذا شرك وهذا بدعة اعتراض في غير محله لأن الخطباء إذا حكموا على بعض الأشياء بأنها شرك أو بدعة ذكروا الدليل على ذلك من الكتاب أو السنة ومن احتج لقوله بالكتاب أو السنة فليس للاعتراض عليه سبيل.
أقلوا عليهم لا أبا لأبيكمو ... من اللوم أو سدوا المكان الذي سدوا
وأيضاً فإن النهي عن الشرك والبدع أهم من النهي عما سوى ذلك من المحرمات, وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينهى عن الشرك والبدع ويحذر منها غاية التحذير في خطبه وغير خطبه, وقد قال الله تعالى: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر} فمن اعترض على الخطباء الذين يتأسون بالنبي - صلى الله عليه وسلم - في النهي عن الشرك والبدع فلا شك أنه مصاب في دينه وعقله.