إن قيل: يراد بذلك أن المطيع قد يحصل له إعجاب وكبر والعاصي يحصل له ذل وخشية، وجوابه

تأويل آخر لكلامه، والرد عليه من وجهين

فإن قيل قد يُراد بذلك أن المطيع قد يحصل له إعجابٌ وكِبْر وصاحب المعصية يحصل له ذُلٌّ وخشية.

قيل من كان عنده كِبْر أو عُجْب أو رياء فليس مطيعًا بل عاصيًا ومعصيةُ الكِبْر والعُجْب والرياء أعظمُ من معصية شُرْب الخمر فالشارب الخاشع الخائف من ربه أقرب إلى رحمة ربه من الصائم المتكبِّر المُعْجَب المُرائي فمن ظنَّ أن الطاعة صُوَر الأعمال فهو جاهل بل اسم الطاعة يتناول طاعة القلب بالخوف والرجاء والإخلاص لله والشكر وغير ذلك أعظم مما يتناول طاعةَ البدن كالصيام والقيام والصدقة قال الله تعالى لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ [البقرة 177] الآية.

وقد أجمع المسلمون على أن مجرَّد أعمال البدن بدون عمل القلب لا يكون عبادة ولا طاعة لله وأن كل عمل لا يُراد به وجه الله فليس هو عبادة له وفي الصحيح إنَّ في الجَسَد مضغةً إذا صَلحت صَلَح لها سائرُ الجسد وإذا فَسَدت فسدَ لها سائرُ الجسد ألا وهي القلب وهذا باب واسع.

وقد يقال المراد إذا وقعنا في الغفلة والمعصية تدارَكْنا برحمتك وانقِذْنا منها إلى الذكر والطاعة أعظم مما تفعل إذا لم نقع في ذلك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015