وإن كان يكره لزومه له وَإِنْ وُجِدَ الشرط فهو الحالف، لا يكون حينئذٍ لا ناذرًا ولا مطلقًا ولا معتقًا، ولكن يكون قد ألزم نفسه بالنذر والطلاق والعتاق على ذلك التقدير مع كراهته للزومه، ليكون لزومه مانعًا من ثبوت الملزوم، لا لإرادته للزومه إذا وجد الملزوم؛ فالمقصود بالتعليق والربط وجعل الجزاء لازمًا للشرط ألا يكون الملزوم لأنه لا يريد اللازم البتة، بل يكرهه ويمتنع منه أعظم من كراهته لوجود الملزوم، ويكرهه -أيضًا- وَإِنْ وجد الملزوم، فهو أقوى كراهةً وأدومُ كراهةً، والملزوم الذي هو الشرط كراهتُهُ أَخَفُّ وَأَقلُّ بقاء؛ ولهذا تزول هذه الكراهة في غالب الأوقات عن الحالف، فيريد -حينئذٍ- أَنْ يوجد الشرط ولا يكرهه، وهو مع ذلك كاره للجزاء ممتنع منه لا يريده.
فإن اعتقد لزوم الجزاء؛ فقد يُرَجِّحُ إرادته للملزوم ويحتمل ضرر لزوم الجزاء المكروه، وهو الذي يفعل المحلوف عليه وَإِنْ طُلِّقَت امرأته وعتق عبيده ولزمه الحج والصدقة إذا كان ممن يرى لزوم هذه الأيمان، وقد يترجح عنده كراهته للازم فَيَلَجُّ في يمينه ويصر عليها ولا يختار الحنث خوفًا من تلك اللوازم التي لا يختار لزومها؛ فالأول يلتزم ما يضره من اللوازم لرغبته فيما يحبه من الحنث، والثاني يمتنع مما يحبه من الحنث خوفًا أن يلزمه ما يضره من اللوازم.
فلا بُدَّ للحالف الذي يريد الحنث إذا لم تكن له كفارة (?) أَنْ يمتنع عما يريده خوفًا من لزوم ما يكرهه، إذا كان ما يريده لا يحصل إلا به، وأما على شرع خاتم الرسل - صلى الله عليه وسلم - الذي فيه تكفير، فيمكنه مع الكفارة أَنْ يفعل ما يختاره من الحنث، ولا يلزمه ما يكرهه من المصائب التي التزمها.