له، وهذا هو الحنث الموجب للكفارة حتمًا، حتى إنه ما دام الجزاء ممكنًا لا يحكم بتحتم الكفارة عليه لإمكان أَنْ يأتي بالجزاء، فإذا مات ولم يَأْتِ به تحتمت الكفارة، فيعبر بالحنث عن هذا وعن هذا؛ فلهذا وقعت فيه الشبهة حتى ظَنَّ بعض الناس أَنَّ الحنث الأول هو الموجب للكفارة عينًا، وإنما موجبها الحنث الثاني.
وهذا كما أَنَّ الحالف باسم الله إذا حَلَفَ بالله ليفعلنَّ كذا، فإنه إنما تتعين الكفارة إذا أراد الفعل مع انتفاء ما التزمه عند الحنث من هَتْكِ حرمَةِ إيمانه، وإلا فلو قُدِّرَ أنه لا يكره هَتْكَ حرمة (?) إيمانه، بل هو مُسْتَخِفٌّ بحرمة (?) الإيمان مرتدًّا عن الإسلام = امتنع مع هذا أَنْ يؤمر بكفارة يمين، فإنه التزم ما يلزمه عند الحنث -وَإِنْ كُنَّا لا نأمره به- كما إذا قال: والله إِنْ فعلتُ هذا الفعل لَأَكْفُرَنَّ بالله أو لأفعلنَّ كبيرةً من القتل والزنا وشرب الخمر ونحو ذلك، فنحن نأمره إذا فعله أَنْ يكفِّر يمينه ولا يأتي تلك الكبيرة، لكن لو قُدِّرَ أنه فعل ما التزمه من الكفر والكبائر لم نأمره بالكفارة، لأنه لم يحنث في يمينه، بل فَعَلَ ما التزمه من الكفر والكبائر.
وما ذكره من قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "كفارة النذر كفارة يمين" (?) والنذر هو: الالتزام للإعتاق لا الامتناع كلامٌ صحيح، وكلاهما فيه التزام النذر واليمين، لكن النذر فيه التزامٌ لله، واليمين فيها التزام بالله، وهما مشتركان في الالتزام بالله؛ إما للتقرب إليه وإما لتوكيد الحض والمنع به.