وأما ما رجحه من أَنَّ جهةَ اليمين هو التزام العتق فهو قد لحظ فيه بعض معاني اليمين، وهو أنه لا بُدَّ في اليمين مع الحض والمنع من أن يلتزم عند الحنث أمرًا من الأمور، وإلا فمجرد قصد الحض والمنع ليس كافيًا في كونه حالفًا، إذ لو كان حالفًا بذلك لكان كل مَنْ تَوَعَّدَ حالفًا؛ كقوله تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَال ذَرَّةٍ خَيرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَال ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 7، 8]، وقوله سبحانه: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} [النساء: 123]، وقوله -عَزَّ وجل-: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيرَكُمْ} [محمد: 38] ونحو ذلك، بل لا بُدَّ أن يلتزم عند الشرط ما يَكره لزومه.
فاليمين تتضمن هذه الصفات الثلاثة: الحضُّ والمنع في الطلب، والتصديق والتكذيب في الخبر، وتوكيد ذلك بالتزام أَمْرٍ من الأمور عند المخالفة، ولا بُدَّ أَنْ يكون ذلك اللازم مما يكره لزومه له وإن وجد الحنث، لتكون كراهته للزومه عند الحنث مانعًا من الحنث، وإلا فلو أراد وجوده على تقدير الحنث وَإِنْ كان مكروهًا بدون الحنث امتنع -حينئذٍ- أَنْ يكون مانعًا من الحنث.
فإنَّ ما يراد على تقدير الحنث ملائمٌ للحنث مناسبٌ له، بل هو موجب الحنث، ومقتضاه بمنزلة المعلول، والمعلولُ الموجب المقتضي لا يكون مضاذًا منافيًا مانعًا من عِلَّتِهِ وَسَبَبِهِ وموجبه الذي يقصد المعلول إذا وجد، ولكن إذا كان الجزاء مكروهًا بتقدير الحنث يكرهه مع وجود الحنث= صار لزومه للحنث مانعًا من الحنث يقتضي التعليقُ وجودَه إذا وجد الحنث، وهو مكروهٌ على هذا التقدير فتكون كراهةُ هذا اللازم موجبةٌ لكراهةِ الملزوم، والملزوم هو الحنث، فيبقى الحالف ممتنعًا بيمينه من الحنث، وأما إذا كان